ـ هو جعفر ـ قالا: ثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن زكريا إبراهيم بن سويد النخعي، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمَّه! كما قال الأول: "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً" قال: فقالت: دعونا من بطالتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله r ؟ قال فسكت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي" قلتُ: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك. قالت: فقام وتطهر، ثم قام يُصلي، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجرّهُ. قالت: وكان جالساً، فلم يزل يبكي r حتى بلَّ لحيته. قالت: ثم بكى حتى بلَّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها:} إنَّ في خلقِ السمواتِ ... {[آل عمران: 190] الآية كلها.

وليس عند أبي الشيخ محلُّ الشاهد منه، وسنده جيد.

ووقع في "مطبوعة ابن حبان" (620 ـ الإحسان): "رطانتكم" بدل "بطانتكم"، والذين نقلوا عن ابن حبان قالوا: الثاني.

وأخرج عبد بن حميد ـ كما في "تفسير ابن كثير" (2/ 164)، وأبو الشيخ في "الأخلاق" (ص 190 - 191)، عن جعفر بن عون وابن أبي الدنيا في "التفكر والاعتبار" ـ كما في "ابن كثير" ـ، وفي "الإخوان" (105)، وابن مردويه في "تفسيره" عن حشرج بن نباتة الواسطي، والعقيلي في "الضعفاء" (2/ 225)، والأصبهاني في "الترغيب" (1924)، عن حكيم

بن خذام، كلهم عن أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حية، عن عطاء بن أبي رباح قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير ومعنا عبد الله بن عمر على عائشة رضي الله عنها فقالت: ما منعك من إتياننا، فإنا نحب زيارتك وغشيانك؟ قال: لما قال الأول: "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً"، فضرب عبد الله

بن عمر على فخذه وقال: دعونا من أباطيلكم. حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله r وذكر الحديث.

وأبو جناب الكلبي ضعيف مدلس، وقد صرح بالتحديث عند أبي الشيخ، ثم هو مُتَابَعٌ كما رأيت، لكنه جعل قوله: "دعونا من أباطيلكم" من قول

ابن عمر رضي الله عنهما. فهذا هو الصحيح في هذا الحديث، ورجحه العقيلي فقال: "هذا أولى" والله أعلم.

(تنبيه): تعقب البدر العيني في "العمدة" (22/ 145) كلام الحافظ المتقدم حيث قال: كان البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور: "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً". فقال العيني: قال بعضهم ـ وهو يعني الحافظ وساق كلامه ـ ثم قال: هذا تخمين في حق البخاري لأنه حديث مشهور، رُويَ عن جماعة من الصحابة ... وساق أسماءهم، ثم قال: ورواه الحاكم في "تاريخ نيسابور"، والخطيب في "تاريخ بغداد" بطريق قوي ... إلخ". انتهى

* قلتُ: وهذا اختصارٌ مُخِلٌّ لكلام الحافظ: "أقوى طرقه ما رواه الحاكم ... إلخ، وكلام الحافظ أدق بلا ريب، فقوله: "أقوى طرقه" لا تساوي "بطريق قوي" كما لا يخفى. فقوله: "أقوى طرقه" لا يستلزم منه أنه قويٌ، بل يحتمل أن يكون أخفه ضعفاً، كقول الناقد وأصح شيء في الباب كذا، وهذا لا يقتضي منه أن يكون صحيحاً ومع ذلك فقد وقع في هذا التخمين في مواضع من "شرحه" ذكرتُ نماذج منها في "صفو الكدر، في المحكمة بين العيني وابن حجر" وهو على وشك التمام، يسر الله ذلك بفضله ومَنِّهِ، وقد ظهر لي بجلاء ما بين الرجلين من التفاوت في صناعة الحديث، والنظر في علله والحكم على رجاله، وهذا الذي ذكرته كأنه محل إجماع بين كل العلماء الذين جاءوا بعدهما. فمن عجب أن يقول شيخ الجهمية، وإمام متعصبة الحنفية في العصر الحديث .. محمد زاهد الكوثري، وهو يقارن بين شرحي الحافظ والعيني يقول: "وليس الشهاب في كل حين بثاقب، بينما البدر ملتمع الأنوار من كل جانب" وهذه حذلقة لفظية لا طائل تحتها، إذ أن الشهاب لا يكون إلا ثاقباً، وهذا الكلام مني لا ينفي أن يكون لكتاب "البدر" بعض ما يميزه على كتاب "الشهاب"، وقد ذكرت بعضه في المصدر

نفس المصدر السابق

([1]) هو: عصمةُ بن أبي عصمة أبو عمرو البخاري، مترجم في "تاريخ دمشق" (42/ 285) ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015