ولذلك قال بعض العلماء: ويحرم مجاوزة الحد في الإطراء في المدح وترد به الشهادة.

كان قضاة المسلمين إذا جاء رجل معروف بالإطراء والزيادة في المدح، وعادته الثناء على الناس بما ليسوا له بأهل كانوا يردون شهادته ولا يقبلونها.

وهذه الحالة أيها الإخوة! معروفة في الشعراء كثيراً، ولذلك قال بعضهم: لا تؤاخي شاعراً لأنه يمدحك بثمن ويهجوك مجاناً، يمدحك ويأخذ أجراً على هذا الشعر، ولكنه إذا أراد أن يهجوك هجاك مجاناً، ولذلك وقع من جراء التمادي في المدح في بعض أشعار السابقين واللاحقين أشياء لا يرضاها الله تعالى، فمن ذلك قول الشاعر ابن هانئ الأندلسي، وهو يمدح المعز المعبدي مخاطباً له، وصل به الإطراء إلى درجة أنه قال له هذا البيت مخاطباً إياه:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

هذه الصفات لمن أيها الإخوة؟ هذه الصفات لله عز وجل، هو الذي يشاء ومهما شاء البشر فمشيئته نافذة، وهو الذي يحكم وهو الواحد القهار، وصل الحال بهذا الشاعر لدرجة أن خرج عن الملة بإطلاق هذه الألفاظ على عبد من العبيد.

وروى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: عن أبي موسى قال: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على رجل ويطريه في المدحة -يبالغ في المدح- فقال: أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل) وترجم عليه البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الشهادات، قال معنوناً: باب ما يكره من الإطناب والمدح.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رجلاً ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجلٌ خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك، ويحك، ويحك! قطعت عنق صاحبك يقول ذلك مراراً).

يقول له: ويحك قطعت عنق صاحبك (إن كان أحدكم مادحاً لا محالة -يقول عليه الصلاة والسلام موجهاً للأمة: إن كان أحدكم لا بد أن يمدح- فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك).

ليس فقط أن يقول المدح، وهذا لا يعني أن يستاهل في المدح حتى ولو قال: أحسبه كذا لا بد أن يكون مصلياً حتى تقول: أحسبه من أهل الصلاة، أما إن كان غير مصلٍ فلا يجوز أن تقول له من أهل الصلاة حتى لو قلت قبلها أحسبه، لأنه ليس من أهل الصلاة، فيقول عليه الصلاة والسلام: (إن كان يرى أنه كذلك، والله حسيبه، ولا يزكي على الله أحداً) لذلك إن رأى إنسان أن يمدح إنساناً لحاجة شرعية أو مصلحة شرعية فليقل في مدحه: أحسبه والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً أن الرجل هذا من أهل كذا.

وبوب النووي رحمه الله تعالى على هذا الحديث باب: كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه وجوازه -يعني: بلا كراهة- لمن أُمن ذلك في حقه، وذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته.

خطب ودروس للشيخ محمد المنجد

ـ[أحمد بن عبد المنعم السكندرى]ــــــــ[27 - 11 - 09, 10:35 م]ـ

جزاكم الله خيرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015