ثانيا: كان عليك أن تنقل كلام الشيخ كاملا حتى يتضح مراده للقارئ فهناك كلاما تركته لا أدري عمدا أم أنك رأيت أنه لا يتعلق بالموضوع وهو: ((الأول: أن الأعمش موصوف بالتدليس، وقد عنعنه في جميع الروايات عنه، فذلك يمنع من تصحيح هذا الحديث، وإن كان العلماء المتأخرون قد مشوا أحاديثه المعنعنة إلا إذا بدا لهم ما يمنع من ذلك، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإن فيه ما يأتي، وهو:
الثاني: أن الحديث قد صح عن ابن مسعود من طرق ليس في شيء منها تلك الزيادة، فأخرجه الترمذي (2/ 110) والطحاوي (1/ 167) والطيالسي (362) وأحمد (1/ 402، 405، 454) والطبراني (34/ 1) كلهم عن زر، والطيالسي (342) وأحمد (1/ 389، 401، 436) والطبراني (34/ 2) عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود، والطبراني أيضا عن أبي وائل ومسروق، كلهم عن ابن مسعود مرفوعا به دون الزيادة.
قلت: فهذا كله يدل على أن هذه الزيادة غير محفوظة عن ابن مسعود رضي الله عنه، بل هي شاذة أو منكرة، وقد قال الطحاوي عقب رواية يونس بن بكير المتقدمة:
وهذا حديث منكر، وليس أحد يرفعه بهذا اللفظ غير يونس بن بكير، وطلحة بن مصرف ليس في سنه ما يدرك عمرو بن شرحبيل، لقدم وفاته.
كذا قال، وقد عرفت أن سفيان الثوري قد رفعه بهذا اللفظ، وجود إسناده، فذكر بين طلحة بن مصرف وعمرو بن شرحبيل أبا عمار واسمه عريب - بفتح المهملة - ابن حميد الدهني، وهو ثقة، فالسند متصل مرفوع، وإنما علته الحقيقية العنعنة والمخالفة كما سبق بيانه)) فهل الألباني أعل الحديث لأنه رواه بالعنعة الأعمش، وأن هذه هي العلة الحقيقية والوحيدة لهذه الزيادة أم أنه أعله من أجل العنعنة والمخالفة، تأمل قوله الذي حذفته وهو ((وإن كان العلماء المتأخرون قد مشوا أحاديثه المعنعنة إلا إذا بدا لهم ما يمنع من ذلك، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإن فيه ما يأتي .... وإنما علته الحقيقية العنعنة والمخالفة كما سبق بيانه)) تجد أن الأمر ليس على ما يفيده كلامك من الإطلاق نعم تدليس الأعمش من القرائن التي يستدل بها على تضعيف الرواية؛ ولكن لا بد أن ينضم إليها ما يقويها فإن لم يوجد معها غيرها لم تقو على تضعيف الرواية، ويلزمك أن تأتي بحديث ضعفه الشيخ بسبب عنعنعة الأعمش فقط دون أن يكون معها شيء آخر، وأنا أوافقك على أن كلام الشيخ قد يفهم منه ما فهمت، ولكن إذا ضم إلى تصرفاته في مصنفاته فهم منه غير ذلك، والذي أفهمه منه أن عنعنة المدلس الذي هو في طبقة الأعمش لا يعل بها الحديث إلا إذا اقترنت بعلة أخرى فيكون الأصل قبول ما يعنعنه حتى يدل دليل على تدليسه فيه، وهذا الفهم يتوافق تماما مع ما قرره ابن حجر في طبقات المدلسين وقد مر بك فلا يطال به.
ثالثا: أنا لست في صدد الدفاع عن الألباني، فتلك قضية لها أهلها وهم بها أقعد، وإنما أنا أستفسر عن علة هذا السند ولماذا أصر بعض الدعاة على تضعيف هذا الأثر، فهل أنهم لم يطلعوا علي هذا السند أم أنهم علموا له علة قادحة.
رابعا: يلزمك أحد أمرين إما أن تقبل بقاعدة ابن حجر في المدلسين فتصحح هذا الأثر، أو أن تردها فيلزمك رد ما ورد في الصحيحين مما رواه الأعمش وغيره من المدلسين معنعنا
خامسا: ويلزمك أيضا أن تقبل جميع ما رواه الثقة، لكونك ترد جميع ما عنعنه المدلس، أو تأتي بالفرق.
سادسا: أنا لم استدل بالشيخ الألباني ـ وهو أهل أن يستدل به في هذا الفن ـ وإنما ذكرت أنه صحح الأثر، فنسبت التصحيح إليه ليست استدلالا به، وافرض أني استدللت به في تصحيح هذا الأثر فهل ذلك يلزمني القول بكل ما يقول به، ولزوم منهجه في التصحيح والتضعيف؟ كلا، فكل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا من عصمه الله، ولا عصمة لغير الأنبياء.
وبارك الله فيك وجزاك خيرا