ـ[أبو يوسف القويسني]ــــــــ[27 - 01 - 08, 08:29 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ما صحة رمي ابن حبان لمكحول الشامي بالتدليس؟؟! فالذي علمناه عنه أنه ثقةٌ فقيه كثير الإرسال بل إن ابن حجر أشار إلى أنه لم يعرف رميه بالتدليس في قول أحدٍ من المتقدمين إلا ابن حبان فهل يعتبر بقولِهِ؟ وما صحة هذه التهمة؟؟!
ـ[حسن عبد الله]ــــــــ[28 - 01 - 08, 11:05 ص]ـ
نعم ذكر ذلك ابن حبان في كتابه الثقات ج5/ص446 في ترجمة مكحول، فقال:
"مكحول بن عبد الله أبو عبد الله كان هنديا من سبى كابل لسعيد بن العاص فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر ثم تحول إلى دمشق فسكنها يروى عن أنس بن مالك وابن عمر وواثلة وأبى أمامة وكان من فقهاء أهل الشام وربما دلس روى عنه أهل الشام مات سنة ثنتي عشرة ومائة بالشام وقد قيل سنة ثلاث عشرة ويقال أيضا سنة أربع عشرة". أهـ
وبخصوص تساؤلات الأخ الكريم فهذا نقل عن الشيخ عبد الله الجديع في كتابه (تحرير علوم الحديث)، أنقله بتمامه للفائدة:
تنبيه:
التهمة للثقة بالتدليس دون دليل من قبيل الجرح المبهم، فيعتبر لقبوله ما يعتبر لقبول الجرح.
تسليم وصف الراوي بالثقة موجب لقبول ما يخبر به، لا يستثنى من خبره إلا ما قام دليل على رده، ولا يقبل فيه الجرح إلا أن يكون مفسراً.
ومن هذا الجرح بوصف الراوي بالتدليس، فإن إثباته في حق راو معين يجب أن يكون ببرهان، فإذا وقع من إمام من أئمة الجرح والتعديل أن أطلق كون فلان مدلساً، فهذا لا عبرة به حتى يثبت أنه دلس، فإن ثبت في خبر معين رد ذلك بما تبين من تدليسه فيه إن كان دلسه من غير ثقة.
وإنما يستثنى منه من كان التدليس شعاراً له، حتى كثُر فأحدث الريبة في جميع ما يقول فيه (عن)، فهذا يرد حديثه المعنعن من أجل الريبة الغالبة لا من أجل التدليس، فإن العنعنة بمجردها لا توجبه.
والعلة في تنزيل مجرد الوصف بالتدليس منزلة الجرح المجمل تعود إلى أسباب، أظهرها:
أولاً: أننا وجدنا إطلاق اسم التدليس على صور ليست منه، فأطلق على الإرسال الظاهر، وعلى الإرسال الخفي، كما أطلق على أعيان، شهد بعض النقاد ببراءتهم منه.
ومما يبين ذلك _ مثلاً _ أن الحسن البصري أطلق عليه وصف التدليس، لكن الدليل عليه أنه روى عن جماعة لم يسمع منهم، أو سمع منهم شيئاً معيناً دون سائر ما يروي عنهم، وهذا لاحق بالإرسال أو الإرسال الخفي.
كذلك قال أبو حاتم الرازي في (أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي): " لا يعرف له تدليس ".
بينما قال الذهبي: " يدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم، وكان له صحف يحدث منها ويدلس ".
قلت: فكانوا يطلقون على الإرسال اسم التدليس، وأبو قلابة لم يكن يدلس بمعنى التدليس الاصطلاحي، إنما كان يرسل، وذلك منصوص عليه في رواةٍ أدركهم ولم يسمع منهم.
وقول أبي حاتم أولى بالاعتبار والتقديم؛ لموافقته المعنى الاصطلاحي المتميز للتدليس.
قال ابن حجر بعد ذكر عبارة أبي حاتم في نفي تدليس أبي قلابة: " وهذا يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس، لا الاكتفاء بالمعاصرة ".
ثانياً: وجدنا من الرواة من يتنازع في إطلاق وصف التدليس عليه، بمنزلة اختلافهم في جرح الراوي وتعديله.
قال أبو داود السجستاني في (مغيرة بن مقسم الضبي): " مغيرة لا يدلس، سمع مغيرة من إبراهيم مئة وثمانين حديثاً ".
وقال العجلي: " كان (يعني مغيرة) يرسل الحديث عن إبراهيم، وإذا أوقف أخبرهم عمن سمعه ".
قلت: وهذا من قول العجلي يثبت تدليسه عن إبراهيم، فكأن أبا داود أراد غالب أمره.
ثالثاً: وجدنا بعض من أطلق عليه وصف التدليس استفيد ذلك فيه من جهة وقوعه منه في روايته عن بعض شيوخه دون سائرهم، فإطلاق العبارة يوهم اندراج جميعهم.
وذلك مثل رواية أبي حرة واصل بن عبد الرحمن البصري عن الحسن البصري، فإنه كان يدلس عنه، وضُعف فيه من أجل أنه لم يسمع منه إلا شيئاً يسيراً، وكان يقول في سائر روايته عنه: (عن الحسن)، فكلامهم فيه بالتدليس محصور في الحسن خاصة، لا في سائر شيوخه أو حديثه.
فهذه الأسباب موجبة لتمييز معنى لفظ التدليس وصحته ووجهه، فأما اللفظ المجمل فلا يصح اعتماده لرد الحديث المعنعن للراوي الثقة يرويه عن شيوخه. أهـ
ولعل الأخوة الفضلاء يفيدونا بتعقيباتهم في هذا الباب. والله أعلم.