وأما الإسنادان الثالث والرابع، فالذي يظهر أن الشيخ اعتمد على كلام الدارقطني في سياقه الخلاف، حيث كرر قول: " عن أبي بكر " في سياق روايات أبي إسحاق عن عكرمة على الوجهين: بإثبات ابن عباس وبإسقاطه. والذي يظهر أنه يعني بقوله: " عن أبي بكر ": بذكر أبي بكر، أو بالرواية التي فيها أبو بكر، أو التي فيها قول أبي بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، والدليل أنه أسند ما ذكر من الروايات، وليس في واحدة منها رواية ابن عباس عن أبي بكر إلا في رواية أبي الأحوص (حيث وقع الخلاف عليه كما سبق)، ويبعد جدًّا أن يخفى على الدارقطني أن قول عكرمة: قال أبو بكر: يا رسول الله ... = من رواية عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، لا عن أبي بكر (109).
والأئمة - خاصة المتقدمين منهم - قد يتجوزون في سياق مثل هذه المواضع الدقيقة إذا كان ذلك من كلامهم، وأما إذا ساقوا الأسانيد عن مشايخهم، فإنهم يأتون بها على الصواب كما رويت.
والدارقطني كان اهتمامه منصبًّا على بيان الخلاف بين أصحاب أبي إسحاق في إثبات ابن عباس وإسقاطه، وأما كونه مرسلاً عن عكرمة أو منقطعًا بينه وبين أبي بكر؛ فأمرٌ آخر، قد لا يؤثر كثيرًا في الحكم النهائي.
والله أعلم.