3 - أن القعنبي بصريٌّ مثل أولئك الرواة، ويتفق بذلك مع شيخه حماد بن سلمة، ومع ذلك روى الحديث مرسلاً. ومن ثمَّ فقد تقابل المرجِّحان، فلْيتساقطا معًا.

4 - أن هذا الوجه سلوكٌ للجادة المشهورة، فإن رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - = روايةٌ مشهورة، وتُروى بها أحاديث كثيرة، والرواة إذا عرفوا هذه الطريق المشهورة صاروا يخطئون فيما كان أوله مثلها وآخره ليس كذلك، فيبدؤون بالبداية التي تتفق مع بداية الطريق المشهورة، ثم يخالفون طريق الحديث الذي يروونه ويسلكون تلك الطريق المشهورة، فيقعون في الخطأ، وقد نصَّ الإمام أحمد على أن طريق ثابت عن أنس جادة مسلوكة لأهل البصرة، قال (كما في الكامل: 4/ 308): «وأهل المدينة إذا كان حديثٌ غلطٌ يقولون: ابن المنكدر عن جابر، وأهل البصرة يقولون: ثابت عن أنس، يحيلون عليهما».

5 - أن الإمام أبا حاتم أعلَّ هذا الوجه، مع اعترافه بأن بشر بن السري ثبت.

# مرجحات الوجه الثاني (المرسل):

1 - كون رواية القعنبي عليه، وسبق أن القعنبي حافظ ثبت حجة.

2 - اتفاق بلاد القعنبي وشيخه حماد بن سلمة، وسبق أن هذا المرجحَ ليس بذي شأن، لأن رواة الوجه الآخر بصريون أيضًا كحماد.

3 - أنه خلاف الجادة، ومخالفة الجادة دليل على التثبت والحفظ في الجملة، لأن الراويَ لو لم يكن حافظًا، لصارت رواية الحديث بالجادة المشهورة أسهل عليه وأيسر؛ فيسلكها، أما لو كان حافظًا متثبتًا؛ فإنه سيروي الحديث بطريقِهِ الصحيحة، حتى لو خالف الجادة المشهورة.

4 - ترجيح الإمام أبي حاتم لهذا الوجه مع علمه برواية بشر بن السري المخالِفة.

# ما يعكر على الوجه الثاني:

- أن راويه واحد مقابل غير واحد رووا الحديث موصولاً.

# الترجيح:

يتضح مما سبق جليًّا أن الوجه الراجح هو رواية القعنبي عن حماد بن سلمة، وهو الوجه المرسل، وذلك لأن القعنبي حافظ متثبت حجة، ومن خالفه ليس بتلك الدرجة، خاصةً أن من خالفه سلك الجادة المشهورة، وهذه قرينة قوية على وهمهم وغلطهم في هذه المخالفة.

وهذا يثبت دقّة حكم الإمام أبي حاتم الرازي لما رجّح الوجه المرسل، وقوّة نظره، وصواب ما رآه.

ويُثبت كذلك صحة الفرق بين المتقدمين والمتأخرين في نقد الأحاديث، والنظر فيها، والحكم عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015