ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[20 - 01 - 04, 06:47 م]ـ
وقال في المنهج المقترح ص 211 - 242
الفصل الثاني:
الطور الثاني لكتب علوم الحديث
(كتاب ابن الصلاح فما بعده)
وكلامنا عن هذا الطور سيختلف في منهجه عن كلامنا في سابقه، لطول زمن هذا الطور، وكثرة المصنفات فيه، ولأن غرضنا الاختصار وضرب الأمثلة فقط، دون استيعاب الكلام عن مناهج المصنفين.
لكن لما جعلنا كتاب ابن الصلاح حداً وقاسماً، وجب علينا تمييزه بمزيد إيضاح وبيان.
إن (معرفة أنواع علم الحديث) لا بن الصلاح (ت 643هـ) من الكتب النادرة في العلوم الإسلامية، ا لتي ما أن صنفت حتى أصبحت إماماً لأهل فنها، وهماً لطلاب ذلك العلم ولعلمائه، وأصلاً أصيلاً يرجعون إليه، ومورداً لا يصدرون إلا عنه ولا يحومون إلا عليه.
يقول الحافظ ابن حجر في وصفه: ((فهذب فنونه، وأملاه شيئا بعد شئ، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب0
واعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم ا ليها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره0
فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره0 فلا يحصى كم ناظم له مختصر،
مستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر!!)) (1).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في وصفه هذا ا حد أهم مميزات كتاب ابن الصلاح،
وهي تعويله واعتماده في جل كتابه على كتب الخطيب البغدادي: (الكفاية) وغيرها
من مصنفات الخطيب الكثيرة التي أفردها لأنواع وعلوم من علوم الحديث0
وللدكتور محمود الطحان مبحث خاص في كتابه (الحافظ الخطيب ا لبغدادي وأثره في علوم الحديث)، يثبت فيه بالموازنة أن ابن الصلاح- كما يقول-: ((كان عالة على كتب الخطيب عامة، وكتابيه (الكفاية) و (الجامع) خاصة)) (2).
ونخرج من هذا بنتيجة واضحة، وهي أن كثيرا من آراء الخطيب في تفسير مصطلح الحديث وتقرير قواعده سوف تنتقل الى ابن الصلاح، بما في تلك الآراء من صواب (وهي غالبها)، ومن خطأ (وهي أقلها)، من آثار اقتباس الخطيب من الفقة0
والآراء وان اتفقت أحيانا كثيرة، بسبب ذلك التعويل والاعتماد على كتب الخطيب،
ا لا أن منهج تقريرها قد بدا فيه بعض الاختلاف0
وليس اختلاف المنهج أمرا غريبا، بعد تذكر ما سبق تقريره، من ضعف تلقي العلوم النقلية، وقوة تأثير العلوم العقلية على علوم السنة، وازدياد ذلك بالتدريج عبر العصور0 وقد عبر ابن الصلاح نفسه عن حاله عصره و أهله تجاه علوم السنة، مبينا سبب تأليفه لكتابه (معرفة أنواع علم الحديث)، حيث قال في مقدمته: ((ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيماً، عظيمة جموع طلبته، رفيعة مقادير حفاظه وحملته. وكانت علومه بحياتهم حيةً، وأفنان فنونه ببقائهم غضةًً، ومغانيه بأهله آهلةً. فلم يزالوا في انقراض، ولم يزل في اندراس، حتى آضت به الحال: على أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد ضعيفة العدد. لا تغني على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلاً، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلاً، مطر حين علومه التي بها جل قدره، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره. فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفاً، من الله الكريم تبارك وتعالى وله الحمد أجمع بكتاب (معرفة أنواع علم الحديث)
هذا ... )) (1).
أما تأثير العلوم العقلية على علوم السنة، فإضافةً إلى أن ابن الصلاح قد نقل بعض ذلك الأثر عن الخطيب البغدادي، فإن ابن الصلاح فوق ذلك جاء بعد الخطيب بما يقارب القرنين من الزمان، فالأثر ازاداد في عصره عن عصر الخطيب، والمرء ابن زمانه، فلا بد أن يزداد الأثر على ابن الصلاح أيضاً.
ولئن كان لابن الصلاح تلك الفتوى القوية في ذم علم المنطق والحط منه (2)، فإنه من جهةٍ أخرى اصولي متبحر فيه معدود في (طبقات الأصوليين) (3).
يقول محقق كتاب ابن الصلاح، الدكتور نور الدين عتر في مقدمة تحقيقه: ((فأكب ابن الصلاح على هذه الذخائر يفحصها بعين الفقيه المتعمق في الفهم والاستنباط، ويزن عباراتها بميزان الأصول الضابط للحدود والتعاريف، وحسبك به فقيهاً، وأصولياً محققاً)) (4).
¥