قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص60): «فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم، لَزِمَ صاحب الحديث التنقير عن عِلّته ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته».
وقال الحافظ ابن مندة في "شروط الأئمة" (ص73) قال: قال سمعت (الحافظ أبو عبد الله) محمدُ بن يعقوب بن الأخرَمِ (شيخُ الحاكم) وذكر كلاماً معناه هذا: «قلَّ ما يَفُوتُ البخاريَّ ومسلماً مما يَثْبُتُ من الحديث».
وقال الإمام ابن حزم في "الأحكام" بعد أن ذكر خبر "فمن أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة": «هذا الخبر لم يخرجه أحدٌ ممن اشترط الصحيح، ولكنا نتكلم فيه على عِلاّته».
وقال الحافظ البيهقي في السنن الكبرى (10\ 278) عن أحاديث الرش من بول الغلام والغسل من بول الجارية: «وكأنها لم تثبت عند الشافعي حين قال: "ولا يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة".
وإلى مثل ذلك ذهب البخاري ومسلم حيث لم يودعا شيئاً منهما كتابيهما».
ومثال ذلك أيضاً الأحاديث المصرحة بالجهر بالبسملة، لم يخرج البخاري ومسلم شيئاً منها. قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية (1\ 355): «وبالجملة فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح، بل فيها عدمهما أو عدم أحدهما. وكيف تكون صحيحة، وليست مخرجة في شيء من الصحيح ولا المسانيد ولا السنن المشهورة؟!». ثم قال: «ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر: إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة والسنن المعروفة والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم ومسائل الدين. فالبخاري –رحمه الله– مع شدة تعصبه (وهذا الكلمة لا يوافَق عليها) وفرط تحامله على مذهب أبي حنيفة، لم يودع صحيحه منها حديثاً واحداً. ولا كذلك مسلم –رحمه الله–. فإنهما لم يذكرا في هذا الباب، إلا حديث أنس الدال على الإخفاء. ولا يقال في دفع ذلك أنهما لم يلتزما أن يودعا في صحيحيهما كل حديثٍ صحيحٍ، يعني فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة. وهذا لا يقوله إلا سخيفٌ أو مكابرٌ. فإن مسألة الجهر بالبسملة، من أعلام المسائل ومعضلات الفقه، ومن أكثرها دوراناً في المناظرة وجَوَلاناً في المُصنَّفات. والبخاري كثير التّتبّع لما يرد على أبي حنيفة من السنة. فيذكر الحديث، ثم يُعَرِّضُ بذِكرهِ، فيقول: "قال رسول الله r كذا وكذا، وقال بعض الناس كذا وكذا". يشير ببعض الناس، إليه (إلى أبي حنيفة) ويُشنِّعُ –لمخالفة الحديث– عليه. وكيف يَخلى كتابه من أحاديث الجهر بالبسملة، وهو يقول في أول كتابه "باب الصلاة من الإيمان"، ثم يسوق أحاديث الباب، ويقصد الرد على أبي حنيفة قوله "إن الأعمال ليست من الإيمان"؟! مع غموض ذلك على كثيرٍ من الفقهاء. ومسألة الجهر يعرفها عوام الناس و رُعاعِهِم. هذا مما لا يمكن، بل يستحيل. وأنا أحلف بالله –وبالله– لو اطّلَعَ البخاريُّ على حديثٍ منها موافقٌ بشرطِهِ –أو قريباً من شرْطه– لم يخل منه كتابه، ولا كذلك مسلم رحمه الله».
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "الرد على من ابتع غير المذاهب الأربعة" (ص24): «وقد صنف في الصحيح مصنفات أُخر بعد صحيحي الشيخين، لكن لا تبلغ كتابي الشيخين. ولهذا أنكر العلماء على من استدرك عليهما الكتاب الذي سماه "المستدرَك". وبالغ بعض الحفاظ فزعم أنه ليس فيه حديث واحد على شرطهما، وخالفه غيره وقال: يصفو منه حديث كثير صحيح.
والتحقيق: أنه يصفو منه صحيح كثير على غير شرطهما، بل على شرط أبي عيسى ونحوه، وأما على شرطهما فلا. فقَلَّ حديثٌ تركاه، إلا وله علة خفية (لكن لا يشترط أن تكون قادحة). لكن لعِزَّة (أي لقلّة) من يعرف العلل كمعرفتهما وينقده، وكونه لا يتهيأ الواحد من منهم إلا في الأعصار المتباعدة، صار الأمر في ذلك إلى الاعتماد على كتابيهما والوثوق بهما والرجع إليهما، ثم بعدهما على بقية الكتب المشار إليها. ولم يقبل من أحد بعد ذلك الصحيح والضعيف، إلا عمن اشتهر حذقه ومعرفته بهذا الفن واطلاعه عليه. وهم قليلٌ جداً. وأما سائر الناس فإنهم يُعَوِّلون على هذه الكتب المشار إليها، ويكتفون بالعزو إليها».
¥