والعجلي قد أدركه أغلب نقاد الحديث، وقد توفي بنفس السنة التي توفي بها مسلم (عام 261هـ). ومن تأمل أحوال الرجال، لوجد الائمة المتقدمين قد أطلقوا الجهالة على عدد كبير جداً ممن وثقهم العجلي، رغم معرفتهم بلا شك بقوله. لكن لما عرفوا مذهبه في توثيق من لم يرو عنه إلا واحد حتى لو لم يكون عنده علم عن هذا الرجل (أي كما هو مذهب ابن حبان)، لم يعتدوا بقوله لأنه ليس فيه أن معه زيادة علمٍ عليهم.

وحتى عدد من المحققين من المتأخرين سلكوا نفس منهج المتقدمين في عدم الاعتداد بمنهج العجلي في توثيق المجاهيل (وهو نفس منهج ابن حبان). وعلى سبيل المثال: عمارة بن حديد. قال عنه أبو حاتم: «مجهول». وقال أبو زرعة: «لا يُعرف». وقال ابن عبد البر: «رجل مجهول». وقال ابن المديني: «لا أعلم أحداً روى عنه غير يعلى بن عطاء». وقال العجلي في "معرفة الرجال" (2\ 162): «حجازي تابعي ثقة»!! وذكره ابن حبان في ثقاته (5\ 141) وأخرج حديثه في صحيحه (11\ 62) رغم أنه لم يرو عنه إلا يعلى بن عطاء، وليس له أصلاً إلا حديثاً واحداً عن رجل مجهول اسمه صخر، زعم أنه صحابي. وهذا الحديث أشار الترمذي إلى ضعفه فقال عنه: «حسن غريب (كما في نسخة الذهبي. وهو تضعيف باصطلاح الترمذي)، و لا نعرف لصخر عن النبى (ص) غير هذا الحديث». والحديث ضعفه أبو حاتم وابن الجوزي وابن القطان وكثير غيرهم. قال الذهبي في الميزان (5\ 211): «صخر لا يعرف إلا في هذا الحديث الواحد. ولا قيل إنه صحابي إلا به. ولا نَقَلَ ذلك إلا عمارة. وعمارة مجهول، كما قال الرازيان. ولا يُفرح بذكر ابن حبان له في الثقات، فإن قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف».

الجدير بالذكر أن كتاب العجلي قد سُمِّيَ بأسماء كثير مثل "معرفة الثقات" و "الجرح والتعديل" و "السؤالات" و "التاريخ" لكن التسمية الأصح هي "معرفة الرجال". لأنه لم يقتصر على الثقات فحسب، بل هناك جماعة جرحهم بالضعف أو الترك أو الكذب أو الزندقة. فهو كتاب عام في تواريخ الرجال تعرض فيه العجلي لكل أنواع الرواة. لكن بسبب شدة تساهله وفرطه في التوثيق، أدى ذلك إلى أن الغالبية العظمى من أحكامه على الرجال هي بالتوثيق، فغلب على الكتاب اسم "الثقات".

التليين:

قال ابن حبان في الثقات (4\ 336):

حدث عنه المصريون، و هم مختلفون فيه: يقولون سعد بن سنان وسعيد بن سنان وسنان بن سعيد. و أرجو أن يكون الصحيح سنان بن سعد، و قد اعتبرت حديثه، فرأيت ما روى عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات، و ما روي عن سعد بن سنان، و سعيد بن سنان فيه المناكير، كأنهما اثنان، فالله أعلم.

وباعتبار أن الثابت عند المحققين هو أن هذين الاثنين هما واحد، فهذا إقرار من ابن حبان بوجود المناكير في حديث سنان.

وقال الترمذي في العلل ص105: سألت محمدا عن سعد بن سنان فقال الصحيح عندي سنان بن سعد وهو صالح مقارب الحديث وسعد بن سنان خطأ إنما قاله الليث.

وهذا تليين لأن صاحب هذه المرتبة يعتبر بحديثه ويكتب ولا يحتج به.

و قال أبو بكر بن أبى خيثمة: سألت يحيى بن معين عن سعد بن سنان الذى روى عنه يزيد بن أبى حبيب، فقال: ثقة.

والظاهر أن قصد الإمام ابن معين أن سعد عدل. وهو أحياناً يطلق التوثيق ويقصد الصدق والعدالة فحسب دون الضبط. قال المعلمي في التنكيل (1\ 69): «ابن معين كان ربما يطلق كلمة ثقة، لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب».

على أنه رماه بالاختلاط فقال:: سمع عبد الله بن يزيد من سنان بن سعد بعدما اختلط. فهذا تضعيف.

الجرح:

و قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن سنان بن سعد، فقال: كان أحمد لا يكتب حديثه.

فهذا جرح قوي من الإمامين أحمد وأبو داود. لأن من لم يكن شديد الضعف (أي لين أو مقارب الحديث) يكتب حديثه ويعتبر به.

و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه في "العلل ومعرفة الرجال": تركت حديثه، لأن حديثه مضطرب، غير محفوظ.

قال: و سمعته مرة أخرى يقول: يشبه حديثه حديث الحسن، لا يشبه حديث أنس.

وهذا مهم جداً بالنسبة لحديثنا.

و قال محمد بن علي الوراق، عن أحمد بن حنبل: روى خمسة عشر حديثا منكرة كلها، ما أعرف منها واحدا.

وهذا جرح مفسر واضح جداً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015