قلت: وهذا منكر إسناداً ومتناً، وفى ألفاظه غرابة، والمحفوظ حديث خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة، ومن هذه الطريق رواه الشيخان.

(الرابع) أخرجه أبو بكر القطيعى ((جزء الألف دينار)) (210) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عامر بن قيس بن عاصم المنقري البصري حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء، وكنت أنظر إليه وإلى القمر، فكان في عيني أزين من القمر.

قلت: وخالفه أشعث بن سوار، فرواه عن أبى إسحاق السبيعى عن جابر بن سمرة، وهو المحفوظ.

وقد أردنا مما ذكرناه من أوهام عثمان بن الهيثم التوثق لصنيع البخارى فى انتقائه لأحاديث شيوخه الصحاح ومجانبة ضعاف أحاديثهم، ومن جملة هؤلاء عنده عثمان بن الهيثم.

ومما يليق ذكره بهذا المقام، ما قاله الحافظ ابن حجر عن عبد الله بن صالح كاتب الليث فى ((مقدمة الفتح)) (1/ 414): ((ما يجئ من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين، والبخارى، وأبى زرعة، وأبى حاتم فهو من صحيح حديثه، وما يجئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه)) اهـ.

وهذا التعليل الفائق الصحة مستغنٍ بوضوحه عن بيان دلالته عند من له إلمام ولو يسير بمعارف أهل الجرح والتعديل، ومن خالف وجه دلالته فليس له معرفة بأصول هذا العلم الدقيق من علوم الشريعة.

ومن نوافل الإفادة أن نوقفك على بعض دلالات هذا التعليل، بذكر راوٍ ممن أخرج له البخارى فى ((صحيحه)) حديثاً واحداً على وجه الإنتقاء والاحتجاج، مع الجزم بضعفه وشدة وهيه وتدليسه الفاحش؛ أعنى الحسن بن ذكوان وهو صاحب أوابد كما قال يحيى بن معين، وقال الأثرم: ((قلت لأبى عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول فى الحسن بن ذكوان؟، قال: أحاديثه أباطيل! يروى عن حبيب بن أبى ثابت ولم يسمع من حبيب، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى))، ونقلوا عن يحيى القطان قوله عنه: يحدث عندنا بعجائب!. فإذا كان هذا حال الحسن بن ذكوان عند هؤلاء سيما يحيى القطان إمام النقاد ورأس طائفة الجرح والتعديل، فما تأويل قول ابن عدى فى ((كامله)) (2/ 317): ((أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ، ولم يكن عنده بالقوى))؟.

وإذا كان الحسن بن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به، وقد أورد له أبو أحمد بن عدى فى ((كامله)) (5/ 125) أربعة أحاديث دلسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع:

[أولها] الحسن عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن ضمرة عن على عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضخ جهنم، قال: وما ظهر غنى؟، قال: عشاء ليلة)).

قال أبو أحمد: ((قال لنا ابن صاعد: وهذا الحديث رواه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت بهذا الإسناد)) يعنى أنه دلَّسه، فأسقط منه عمرو ليوهم حمله وروايته عن حبيب!.

[ثانيها] بهذا الإسناد قال: ((نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عن كل سبع ذي ناب، وكل ذي مخلب من الطير، وعن ثمن الميتة، وعن لحوم الحمر الأهلية، وعن كسب البغي وعسب الفحل))، وفى رواية ((وعن المياثر الأرجوان))، وفى أخرى ((وثمن الخمرة)).

قال أبو أحمد: ((وهذا الحديث يرويه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد، وعمرو متروك الحديث، ويسقطه الحسن من الإسناد لضعفه)).

[ثالثها] الحسن عن حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ((أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى أن ينتفض فى برازٍ حتى يتنحنح)).

[رابعها] بهذا الإسناد والسياق وبزيادة ((ونهى أن يمشى فى خفٍ واحدٍ أو فى نعلٍ واحدٍ، وأن ينام على طريق، وأن يلقى عدواً له وحده إلا ان يضطر، فيدفع عن نفسه)).

وقال أبو أحمد: ((وهذه الأحاديث التي يرويها الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت نفسه، بينهما عمرو بن خالد، فلا يسميه لضعفه)).

فإذا كان ذلك كذلك، فما وجه رواية إمام النقاد يحيى القطان عن الحسن بن ذكوان هذا الحديث الواحد الذى انتقاه إمام المحدثين أبى عبد الله، وأودعه ((كتاب الرقاق)) من ((صحيحه)) (4/ 139. سندى) فقال:

حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ يعنى القطان ـ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ)).

ربما يكتفى بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر فى ((هدى السارى)) بقوله: ((والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما، وليس له فى البخارى سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته فى الرجال، ومع ذلك فهو متابعة))!.

وأقول: وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول:

(1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح فى الحديث بالسماع، فانتفت تهمة تدليسه.

(2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه، وما ينكر، فهو من صحاح حديثه.

ومما يفيده هذا التوجيه: أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، ويحيى بن معين، والبخارى، وأبى حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن. ومن لم يقف على مثل هذه المعرفة الدقيقة الواعية، فليس ممن مارس هذا العلم، فضلاً عن إتقانه، بله الولوج فى معترك المناظرة مع هؤلاء الفحول الجهابذة فيما ذهبوا إليه من تصحيح الأخبار المصطفوية.

والخلاصة، فإن حديث عثمان بن الهيثم الذى علَّقه إمام المحدثين، واحتج به فى ((صحيحه))، هو من الصحيح المنتقى من أحاديث عثمان بن الهيثم، وعليه علامة تصحيح إمام المحدثين وأستاذ العارفين أبى عبد الله البخارى.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015