قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. [البقرة: 103]
اختلف المفسرون في قصة «هاروت وماروت» المذكورين في الآية على أقوال:
الأول: أنهما ملكان نزلا من السماء، وقد اختلف هؤلاء في قصة نزولهما، والذي أنزل عليهما:
1 - أن الله تعالى لما أطلع الملائكة على معاصي بني آدم، عجبوا من معصيتهم له مع كثرة أنعمه عليهم، فقال الله تعالى لهم: أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم، فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، وأحل لهما كل شيء، على ألا يشركا بالله شيئاً، ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فعرضت لهما امرأة –وكان يحكمان بين الناس– تخاصم زوجها واسمها بالعربية: الزهرة، وبالفارسية: فندرخت، فوقعت في أنفسهما، فطلباها، فامتنعت عليهما إلا أن يعبدا صنماً، ويشربا الخمر، فشربا الخمر، وعبدا الصنم، وواقعاها، وقتلا سائباً () مر بهما خافا أن يشهر أمرهما، وعلماها الكلام الذي إذا تكلم به المتكلم عرج به إلى السماء، فتكلمت وعرجت، ثم نسيت ما إذا تكلمت به نزلت فمسخت كوكباً، قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي هبطا فيه، حتى استكملا جميع ما نهيا عنه، فتعجبت الملائكة من ذلك، ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصعود إلى السماء، فكانا يعلمان السحر.
رويت هذه القصة عن:عبد الله بن مسعود ()، وكعب الأحبار ()،وعلي بن أبي طالب ()، وابن عباس ()، وعبيد الله بن عتبة ()، ومجاهد ()، وعطاء ()، وقتادة ()، والسدي ()، والربيع بن أنس ()، والكلبي ().
وقد رويت هذه القصة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه من عدة طرق بعضها موقوفاً عليه، وبعضها مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها عن ابن عمر،عن كعب الأحبار، وقد رويت بألفاظ متقاربة مع اتحاد أصل القصة، وفيما يلي تفصيل هذه الطرق وذكر أقوال النقاد فيها:
الأول: طريق مجاهد، عن ابن عمر، موقوفاً، وقد رُوي عنه من ثلاثة طرق:
1 - طريق العوام بن حوشب، عن مجاهد، به.
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/ 583).
2 - طريق ا المنهال بن عمرو، ويونس بن خباب، كلاهما عن مجاهد، به.
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 306) تحقيق د/ أحمد الزهراني.
قال ابن كثير في تفسيره (1/ 144): «وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر» ثم ذكر أنه روي مرفوعاً وقال: «وهذا – يعني طريق مجاهد – أثبت وأصح إسناداً».
الثاني: طريق سعيد بن جبير، عن ابن عمر، موقوفاً.
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 650) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
الثالث: طريق سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن كعب، به.
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 53)، وابن أبي شيبة في المصنف (8/ 108)، وابن جرير في تفسيره (1/ 502)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 306) تحقيق د/ أحمد الزهراني، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 181) جميعهم من طريق موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب به.قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 143) – بعد أن ذكر الحديث من رواية موسى بن جبير، ومعاوية بن صالح، كلاهما عن نافع عن ابن عمر به مرفوعاً – قال: «فهذا – يعني طريق سالم – أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل والله أعلم».
¥