----------- وفي هذه الجملة يستفاد منها: جواز ركوب البحر والسير فيه. وأما الحديث الذي رواه أبوداود (2489) حدثنا سعيد بن منصور , أخبرنا إسماعيل بن زكريا , عن مطرف , عن بشير ,عن بشر بن مسلم عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله r فيما روي عنه:" لا يركب البحر إلاّ حاجٌّ أو معتمر أو غازٍ في سبيل الله , فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً " فإنه حديثٌ ضعيف. قال المنذري: في هذا الحديث اضطراب روي عن بشير هكذا , وروي عنه أنه بلغه عن عبدالله بن عمرو , وروي عنه عن رجلٍ عن عبدالله. وقيل غير ذلك. وقال أبوداود: رواته مجهولون , وذكره البخاري في –تاريخه الكبير 2/ 90 - وذكر اضطرابه وقال: لم يصح حديثه. (يعني: بشير بن مسلم) وقال الخطابي: قد ضعفوااسناده. -------قلت: الحديث منكر متناً لمخالفته لظاهر حديث الباب , وأيضاً قبل ذلك مخالف لقوله تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر .... } وقوله: {والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس .... }. بل لو كان ركوبه مكروهاً أو تركه من الزهد والورع ولو لغير سبب لما كان الغريق له أجر الشهيد كما في الصحيحين (خ652) (م1914) وغيرهما: من طريق مالك , عن سمي , عن أبي صالح , عن أبي هريرة قال: قال النبي r :"... الشهداء خمسة: المطعون , والمبطون , والغَرِق , وصاحب الهدم , والشهيد في سبيل الله عزوجل ". وكل هذا فيه دلالة على جواز ركوبه سواء كان لطلب المعيشة أو للتأمل في صنع الله , أو لغير ذلك من الغايات الفاضلة أوالمباحة. فإذا كان الله سبحانه يُقِيم الحجة على العباد في مخلوقاته لأجل عبادته والتدبر في مخلوقاته من السماء والأرض والشمس والقمر .... فكذلك البحر يُساوي هذه في العظمة , ولذلك جعله الله عقاباً لبعض الأمم الظالمة وذلك لشدته وعظمته فهو جند من جنود الله.
----------وهذا الأمر معروف لظهوره وتعارف الناس في ذلك , وإنما أكثرت من هذا لوجود خلاف قليل عن بعض الصحابة وهو عمر بن الخطاب ومن والتابعين وهو عمر بن عبدالعزيز في كراهة أو تحريم ركوب البحر.
--------قال ابن عبدالبر (التمهيد6/ 363): وإنما ذلك منهم على الإحتياط , وترك التغريري بالمهج في طلب الإستكثار من الدنيا والرغبة في الحال والله أعلم.ا. ه.
--------وفي جملة سؤال السائل يفيد أنه يسأل عن حال الضرورة , وأن المستقر في ذهنه هو التحريم أو الكراهة لقرينة قوله:" فإن توضأنا به عطشنا " أي: لو كان مَعَنَا ماءٌ فائض لأغنانا عن ماء البحر.
ولا شك أنه أشكل عليه جواز الوضوء من ماء البحر ... وإلاّ لما سأل , فأجابه النبي r بما أغنى عن سؤاله سواء كان لضرورة أو لغير ضرورة.
--------- وهذا الحديث مما يُستدل به على جواز ركوب البحر ولو كان لغرضٍ دنيوي كالصيد والسياحة فيه ونحو ذلك. ويُرَكَّب على هذا الإستدلال القاعدة الأصولية التي تقول:" تأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز ".
---------------------------------
----------قوله:" أفنتوضأ من ماء البحر ":أي إذا خشينا نقصان الماء الذي معنا , واضطررنا إلى الوضوء من ماء البحر فهل ذلك جائز لنا؟! فأرشدهم النبي r إلى أصل المسألة وهي طهارة الماء مطلقاً سواء تغير لونه أو طعمه أو رائحته مالم تقع عليه نجاسة , لأنه طاهر مطهر لغيره على الصحيح. فكأن السائل أشكل عليه ملوحة الماء وتغيره برائحته أو لونه أو طعمه .. مما يدع مجالاً للشك في طهارته أو طهوريته أو التوقف فيهما.
-----------وحينما قلت: إن البحر طاهر ولو تغير بأحد الأوجه الثلاثة فإن البحر لكثرة المخلوقات الموجودة في داخله قد ينظر الناظر إليه فيراه أصفراً أو أحمراً أو أسوداً ... أو يشم فيه بعض الروائح المستكرهه , أو يذوق بعضاً من طعمه , فإن هذا التغير لايضر إذا كان من البحر الكبير العام ... لا من الماء الذي اقتُطع من البحر الكبير كالسواقي والأنهار ونحو ذلك , فإن ذلك يضر فيه التغير الواضح. وهذا هو الذي يُنَزَّل عليه الإجماع فيما تغير أحد أوصافه الثلاثة .. فيما إذا وقع عليه نجاسة , وأما إذا لم يقع عليه نجاسة ففيه خلاف على قولين أرجحهما: أنه الجواز لإعتبارات كثيرة , فإن الماء إذا تغير بسدر ... أو صابون ..... أو تراب أو عجين أو غير ذلك مما يُُغير طعم الماء ولا يذهب باسمه , فإن الوضوء منه جائز على
¥