وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل , والعمل بما يقتضيه الانصاف , ويعود الحال إلى النظر والتفتيش الذي يحاول المصنف سد بابه، والله تعالى أعلم.

الأمر الرابع: كلامه يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المعتمدة المشتهرة.

والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا أحاديثهم.

فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم فليفد الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم وأكثرهم رجال الصحيح كما سنقرره.

الأمر الخامس: ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما منها إلا وفيه من لم يبلغ درجة الضبط والحفظ والاتقان ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر، لأن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه: كـ "سنن النسائي" مثلاً: لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه.

فإذا روى حديثاً ولم يعلله وجمع إسناده شروط الصحة ولم يطلع المحدث المطلع فيه على علة , ما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على صحته أحد من المتقدمين؟!، ولا سيما وأكثر ما يوجد من هذا القبيل ما رواته رواة الصحيح. هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن.

وكأن المصنف إنما اختاره من ذلك بطريق نظري وهو:

أن "المستدرك" للحاكم كتاب كبير جداً يصفو له منه صحيح كثير زائد على ما في "الصحيحين" على ما ذكر المصنف بعد وهو - مع حرصه على جمع الصحيح الزائد على الصحيحين- واسع الحفظ كثير الاطلاع غزير الرواية، فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرط الصحة لم يخرجه في مستدركه.

وهذا في الظاهر مقبول، إلا أنه لا يحسن التعبير عنه بالتعذر ثم الاستدلال على صحة دعوى التعذر بدخول الخلل في رجال الإسناد.

فقد بينا أن الخلل إذا سلّم إنما هو فيما بيننا وبين المصنفين

أما المصنفين فصاعداً فلا ـ والله الموفق.

وأما ما استدل به شيخنا على صحة ما ذهب إليه الشيخ محي الدين من جواز الحكم بالتصحيح لمن تمكن وقويت معرفته ـ بأن من عاصر ابن الصلاح قد خاله فيما ذهب إليه وحكم بالصحة لأحاديث لم يوجد من المتقدمين الحكم بتصحيحها فليس بدليل ينهض على رد ما اختار ابن الصلاح، لأنه مجتهد وهو مجتهدون فكيف ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. وما أوردناه في نقص دعواه أوضح فيما يظهر ـ والله أعلم ـ ا. هـ

ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[24 - 12 - 10, 04:58 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(1 - 3)

- قال الشيخ طارق – حفظه الله-:

هذا الفصل من كلام ابن الصلاح - رحمه الله- مما انتقده بعض من جاء بعده من أهل العلم , كالنووي , والعراقي , وابن حجر , وغيرهم ..

وبالغوا في انتقاده , و الرد عليه.

وإنما منشأ ذلك الخلاف – حسب فمي-؛ أن هؤلاء العلماء – رحمهم الله- فهموا من كلام ابن الصلاح إغلاق باب الاجتهاد في الحكم على الأحاديث, ويراه متعذرا في هذه العصور المتأخرة, فنقضوا عليه ذلك بأن باب الاجتهاد مفتوح لمن تمكن وقويت معرفته, ولا وجه لإغلاقه , مادام أن تحقيق شروطه متاح , وآلاته موجود متوفرة.

والمتأمل لكلام ابن الصلاح: يتجلى له أنه لم يقصد هذا الذي فهموا عنه , وأن كلامه يتعلق بنوع من الروايات رويت في كتب معينة , في أزمنة معينة , يتعذر الحكم عليها بمجرد اعتبار الأسانيد, لا لشئ إلا لأن الأسانيد في هذه الأزمنة لم يتحقق فيها _ أو في أغلبها- الشرائط المعتبرة في صحتها سواء منها المتعلق بالعدالة والضبط أو المتعلق باتصال الإسناد فضلا عن السلامة من الشذوذ والسلامة من العلة.

وقد أشار الإمام ابن الصلاح إلى بعض ذلك , فذكر ما يفيد إلى نوعي الضبط – ضبط الصدر , وضبط الكتاب- غير متحققين في رواة هذه الأزمنة , لأنهم يعتمدون على كتب لا يؤمن فيها التغيير والتحريف , فهي غير مضبوطة , وهم أيضا لا يحفظون ما فيها, ولا يتنبهون إلى ما فيها , من التغيير والتحريف , لأن مثل هذا إنما يدركه الحافظ غالبا , وأما غير الحافظ فأنى له إدراك ذلك؟!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015