ـ[أبو بكر المكي]ــــــــ[02 - 08 - 10, 12:28 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
- أثناء قراءتي لكتاب (رفع اليدين في الصلاة) وقفت على هذه الفائدة:
- قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أبي بكر - الشهير بابن قيم الجوزية (ت:751) - رحمه الله:
- {فصلٌ:
وأما ردّكم لحديث جابر بأنه من رواية أبي الزبير؛ فردٌّ مردود وعُذْر غير مقبول، فإن أبا الزبير من الحفاظ الثقات، ولم يزل الأئمة يحتجون بحديثه، وحديثه هذا على شرط مسلم، فإنه يخرِّج أحاديثه عن جابر في " صحيحه " ويحتجّ بها، ولم يلتفت إلى قول من يعللها.
وأبو الزبير غير مدفوع عن الحفظ والصدق.
- قال سفيان بن عيينة عن أبي الزبير: " كان عطاء يقدمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث ". فهذا ثناء شيخه عليه.
- وقال الإمام أحمد: " قد احتمله الناس، وهو أحب إليَّ من أبي سفيان ".
- وقال يحيى بن معين: " ثقة ". وقالَ مرّةً: " صالح ". وقال مرّةً: " هو أحب إليَّ من أبي سفيان ".
- وقال النسائي: " ثقة ".
- وقال يعقوب بن شيبة: " ثقة صدوق، وإلى الضعف ما هو ".
- وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " لم ينصف من قدح فيه؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك لأجله ".
- قلت: يريد ما ذكره محمد بن جعفر المدائني، عن ورقاء قال: " قلتُ لشُعبة: مالك تركتَ حديث أبي الزبير؟ قال: رأيتُه يَزِنُ ويسترجِحُ في الميزان ". ومعلوم أن حديث الرجل لا يُرد بمثل هذا (*).
- وقال أبو أحمد بن عدي: " كفى بأبي الزبير صدقًا أن مالكًا روى عنه، ولا أعلم أن أحدًا من الثقات تخلّف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة، إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء، فيكون ذلك من جهة الضعيف ".
- وفي الاحتجاج بأبي الزبير طريقة ثالثة، وهي طريقة جماعة من حفّاظ المغرب: أن حديثه حجة إذا صرّح بالسماع، أو كان من رواية الليث عنه خاصّة، وهي طريقة أبي محمد بن حزم، وأبي الحسن بن القطان، ومن وافقهما، قالا: لأنه معروف بالتدليس، والمدلّس إنما يحتج من روايته بما صرح فيه بالسماع، وإنما قبلنا رواية الليث عنه؛ لأنه قال: " قَدِمْت مكة فدفع إليَّ أبو الزبير كتابين، فسألته: هل سمع هذا من جابر؟ فقال: منه ما سمعت منه، ومنه حُدّثت عنه، فقلتُ: أعْلِم لي على ما سمعتَ، فأعلَمَ لي على هذا الذي عندي ". ذكره سعيد بن أبي مريم، عن الليث.
- والصواب: الاحتجاجُ به مطلقًا كما فعل مسلمٌ وغيره؛ لأنه حافظ ثقة، والتدليس لا يُردّ به حديث الحفّاظ الأثبات، وقد احتج الناس بالأعمش، وسفيان بن عيينة، وقتادة، وسفيان الثوري، والحَكَم، وعمرو بن مرّة، وحُصين، والشعبي، وأبي إسحاق، وخلائق من الثقات المدلّسين الذين يحتج بحديثهم أهلُ العلم. بل أكثر أهل الكوفة يدلّسون، ولم يسلم منهم من التدليس إلا نفرٌ يسير، فلو أسقطنا حديث المدلس لذَهَب حديثُ هؤلاء وأضعافهم.
ثم كيف يليق بكم الطعن في حديث المدلس وأنتم تقبلون المرسل؟! فكيف يجتمع رد حديث المدلس وقبول المرسل؟! وهل هذا إلا تناقض ظاهر!
- والصواب عندنا في حديث المدلسين والحديث المرسل: أن المدلس إن كان عنده التدليس عن المتهمين والكذابين والمجروحين والضعفاء لم يُقبل تدليسه ولا إرساله، وإن كان لا يدلس إلا عن ثقة لم يضر تدليسه، مثل: سفيان بن عيينة وأضرابه، فإنه يدلس عن مثله وعمن هو ثقة صدوق، فإنه يدلس عن مثل مَعْمر، ومِسْعر، ومالك بن مِغول، وزائدة.
ومثل إبراهيم، فإنه إذا دلس لم يدلس إلا عن ثقة.
وأما قتادة فقد أكثر عن أنس، وسعيد بن المسيب، وقد سئل شعبة عن تدليس قتادة فقال: " قد وقفته على ذلك، فقال: ما سمعته من أنس فقد سمعته، وما لم أسمعه منه فقد حدثني به النضر عن أنس، وموسى بن أنس، وغيرهما من ولد أنس ".
وأما إكثاره عن سعيد بن المسيب، فإنه لزمه مدة فقال له: " ارحل عني يا أعمى فقد نَزَحتني أو أَنْزَفْتني ".
- والمقصود أن من عرف بالتدليس عن غير الثقات وعن المجهولين، فإنه يتوقف فيما لم يصرح فيه بالسماع، ومن لم يُعرف بالتدليس عن الضعفاء والمجروحين لم يتوقّف في حديثه.
- وتدليس المتقدمين كأبي الزبير، وإبراهيم وطبقتهما، خير من تدليس المتأخرين بطبقات فلا يُسوّى بين التدليسَيْن، والله أعلم} اه.
- من كتابه: (رفع اليدين في الصلاة، ص 225 - 228).
تحقيق: الشيخ علي بن محمد العمران، ط. دار عالم الفوائد، 1431ه
----------------------
(*) علق على هذا الشيخ علي العمران قائلًا: {قال الشيخ المعلمي في " عمارة القبور ص84 - بتحقيقي " تعليقًا على هذا الجرح: " وغاية هذا المنافاةُ لكمال المروءة، وليس ذلك بجرح "} اه.
ـ[أبو القاسم البيضاوي]ــــــــ[05 - 08 - 10, 11:28 م]ـ
كلام ابن القيم هنا هو الصواب رحمه الله و رضي عنه.
¥