ولكي نستطيع الوصول إلى تاريخ دقيق لوفاة أبي غانم ينبغي أن نأخذ الأمور التالية في الاعتبار:

- أولا: إنّ مرور أبي غانم بعمروس وتركه نسخة من المدونة عنده كان في زمن الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن (الوسياني 4؛ الدرجيني 2/ 323؛ الشماخي 1/ 194) وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاة الإمام عبد الوهاب، وهي السنة التي انتهت بها إمامته:

- فقيل سنة 188هـ، وهو قول ابن عِذَارى المرّاكشي (البيان المُغرب 2/ 197)

- وقيل سنة 190هـ رجّحه المجاهد الباروني (الأزهار الرياضية 163) وتابعه عليه الدكتور النامي (أجوبة ابن خلفون 109).

- وقيل سنة 208هت وإليه ذهب محققا كتاب ابن الصغير (56) واعتمده معجم إباضية المغرب (3/ 591).

وعلى القولين يكون أبو غانم قد مرّ بعمروس قبل سنة 188هـ أو 190هـ وهذا الذي يراه الدكتور النامي، إذ يقول إن أبا غانم رحل إلى تاهرت في أواخر القرن الثاني الهجري، بعد أن تقلص الوجود الإباضي في البصرة بوفاة أعلامه الكبار، أما على القول الأخير فرحلة أبي غانم يمكن أن تكون في أوائل القرن الثالث، لكنها لا تتعدى سنة 208هـ.

ثانيا: إنّ المصادر تنصّ على أنّ عمروسا لما نسخ مدونة أبي غانم كان صغير السّن: «وعمروس حينئذ حدَثٌ» (الدرجيني 2/ 323) كما تشير أيضا إلى أنّه عمّر زمنا طويلا: «حاز قصب السبق وإن كان في السن متأخرا» (الشماخي 1/ 192) وله في سنّه نظائر من أقرانه:

- فهذا أبو القاسم سدرات بن الحسن البغطوري أدرك وقعة مانو وعمره قد تجاوز المئة، وتوفي تقريبا سنة 313هـ فعاش ما لا يقل عن 130 سنة.

- وهذا أبو محمد سعد بن وسيم الويغوي، تلقى تعليمه الأول على يد الإمام عبد الوهاب وابنه افلح، وعاش حتى معركة مانو سنة 283هـ.

- وهذا عبد الله بن الخير بقي على قيد الحياة بعد وقعة مانو، وعُمِّر ما يقرب من 120 سنة.

- ولئن صحّ أن عمروسا أصغر إخوته - نظرا إلى أنّ أمّه توفيت عنه وهو في المهد – تكن أخته التي ساعدته في نسخ المدونة أكبر منه، وقد ثبتت مشاركتها معه في وقعة مانو.

بناء على ما سبق، لا إشكال في تاريخ لقاء أبي غانم بعمروس، لكن المشكل أن لا نجد في المصادر ذكرا لأبي غانم بعد رحلته إلى المغرب، ويبدو - أقرب إلى الواقع – أن يعدّ أبو غانم من أعلام الطبقة الخامسة (200 - 205هـ) وهي التي تلي طبقة الإمام الربيع وأقرانه، خاصة إذا أخذنا بقول من يرى أن إمامة الإمام عبد الوهاب امتدت إلى القرن الثالث وانتهت سنة 208هـ، فتكون وفاته في النصف الأول من القرن الثالث، دون أن نملك دليلا يحدد تاريخا بعينه. والعلم عند الله.

يفهم من سياق النصوص التاريخية أن أبا غانم كان مصطحبا معه في رحلته إلى المغرب نسختين - على الأقل – من مدونته، يدل على ذلك قول البدر الشماخي «واستودع عمروسا نسخة منها» وقوله فيما بعد: «فلما وقع ما وقع بتيهرت وأحرقت كتبها بقيت نسخة عمروس ينتفع بها الإباضية» ونستنتج من ذلك:

- أن نسخة من المدونة سلّمها أبو غانم للإمام عبد الوهاب، وكان مصيرها الحرق بعد ذلك.

- وأن نسخة أودعها عند عمروس، ثم أخذها منه في طريق عودته، ولا ندري مصيرها.

- وأن نسخة بقيت عند عمروس، ينتفع بها إباضية المغرب، وكان معتمدهم حتى القرن السادس أو أبعد من ذلك، كما يؤخذ من عبارة بن خلفون الآف ذكرها في الترجمة.

- ويشير الدكتور النامي - نقلا عن بعض المستشرقين – إلى أن المدونة حظيت باهتمام كبير لدى الإباضية، فكتبوا عليها تعقيبات وحواشي باللغتين العربية والبربرية، ويذكر مثالا على تلك الجهود - نقلا عن الديوان المعروض – ما قام به أحدهم، واسمه: أبو القاسم بن ناجد أو ناصر (؟!) إلى أن جاء العلامة القطب (ت 1332هـ) فظفر بنسخة غير مكتملة ولا مرتبة، فجمعها وأعاد ترتيب محتوياتها، وضمّنها بعض التعليقات.

• ينقل المستشرق الألماني شاخت عن الشيخ الشيبة محمد بن نور الدين السالمي أن نسخة الشيخ القطب التي رتبها وعلّق عليها تسمى "المدونة الكبرى" تمييزا لها عن المدونة الأصل الخالية من التعاليق، والتي يطلق عليها اسم" المدونة الصغرى".

ويعد المقارنة يتضح أنّ بين النسختين اتفاقا كبيرا، غير أن كل واحدة منها تنفرد عن الأخرى ببعض المسائل والنّصوص.

شهد - كما سبق نقله قبل قليل عن النامي – أن القطب رتّب أبواب المدونة بعد أن كانت مبعثرة، والواقع: أني لا أدري ما حقيقة هذا الترتيب، فمقدمة القطب على المدونة لا تفيدنا بشيء حول ذلك، وقد اطلعت على نسخ مخطوطة للمدونة يعود تأريخ نسخها إلى ما قبل القطب بعشرات السنين، وترتيبها مطابق تقريبا للترتيب المنسوب للقطب، إلا إذا كانت ثمة فروق بسيطة بين العملين ووما ينبغي ملاحظته هنا افتتاح القطب زياداته على المدونة بقوله: «قال المرتي». والأمر يحتاج إلى مزيد من التروي لمعرفة الصواب.

المصدر:

http://www.tourath.org/ar/*******/view/116/41/

( يتبع إن شاء الله)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015