قال ابن كثير في قوله تعالى " فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ": يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها (3/ 251). وقال الشوكاني: أي جعلها الله سبحانه وتعالى متصلبة لتكون عمودا للبدن على أشكال مخصوصة (3/ 483). وقال الألوسي: وذلك التصيير بالتصليب بما يراد جعله عظاما من المضغة وهذا تصيير بحسب الوصف؛ وحقيقته إزالة الصورة الأولى عن المادة وإفاضة صورة أخرى عليها (10/ 21) ثم يبدأ الجنين الطور الأخير من التخليق وهو كساء العظم باللحم وفي هذا الطور يزداد تشكل الجنين على هيئة أخص. قال ابن كثير في قوله تعالى: " فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ": أي جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه. وقال الشوكاني: أي أنبت الله سبحانه على كل عظم لحما على المقدار الذي يليق به ويناسبه وكذا قال غيرهم (8).

مراحل تطور شكل الجنين

وهذا يتوافق مع ما ثبت في علم الأجنة من أن العظام تخلق أولا ثم تكسى بالعضلات في نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن من تلقيح البيضة وبهذا تنتهي مرحلة التخليق والتي يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الجنينية. هذا وقد أكد علم الفحص بأجهزة الموجات فوق الصوتية أن جميع التركيبات الخارجية والداخلية الموجودة في الشخص البالغ تتخلق من الأسبوع الرابع وحتى الأسبوع الثامن من عمر الجنين، كما يمكن أن ترى جميع أعضاء الجنين بهذه الأجهزة خلال الأشهر الثلاثة الأولى.

ثم يبدأ الجنين بعد الأسبوع الثامن مرحلة أخرى مختلفة يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الحميلية، ويسميها القرآن الكريم: مرحلة النشأة خلقا آخر. ولذلك يعتبر طور كساء العظام باللحم الحد الفاصل بين المرحلة الجنينية والحميلية.

هـ. مرحلة النشأة خلقا آخر:

تبدأ مرحلة النشأة في الأسبوع التاسع حيث ينمو الجنين ببطء إلى الأسبوع الثاني عشر ثم ينمو بعد ذلك بسرعة كبيرة. وتستمر هذه المرحلة حتى نهاية الحمل.

خصائص مرحلة النشأة:

تختص هذه المرحلة بعدة خصائص أهمها: تطور ونمو أعضاء وأجهزة الجنين وذلك بتهيئتها للقيام بوظائفها. كما تختص بنفخ الروح فيها عند جمهور المفسرين. قال ابن كثير: ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب (3/ 251). وقال الألوسي: أي مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعل حيوانا ناطقا سميعا بصيراً (10/ 22). كما تحدث أثناء هذه المرحلة التغيرات في مقاييس الجسم ويكتسب الجنين صورته الشخصية. وهو ما أشارت إليه الآيات:" الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ " الانفطار 8.7 وكلمة " سَوَّاكَ " تعني جعل الشيء مستويا ومستقيما ومهيأ لأداء شيء محدد. والتعديل في اللغة تعني التقويم وتعني كلمة " فَعَدَلَكَ " تغير الشكل والهيئة لتكوين شيء محدد. وكلمة صورة تعني هيئة أو (شكل:9) وما ذكره القرآن الكريم هو ما قررته حقائق علم الأجنة؛ فالتسوية تبدأ عقب عملية الخلق في المرحلة الحميلية أي بعد الأسبوع الثامن، حيث يستقيم الجنين وتتهيأ الأعضاء لأداء وظائفها، ويتخذ الجنين المقاييس الطبيعية (التعديل). كما تتغير مقاييس الجسم وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة، ويكتسب الجنين الصورة الشخصية له " التصوير" (10).

تتغير مقاييس الجسم وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة، ويكتسب الجنين الصورة الشخصية له " التصوير

ثانيا: نصوص السنة تحدد زمن أطوار الجنين الأولى:

1. روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد). رواه مسلم

2. روى الإمام مسلم بسنده عن أبي حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مر بالنطفة اثنان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا، فصورها وخلق لها سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك). رواه مسلم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015