ثم نقل الحافظ من كلام ابن الصلاح: يُحْمَلَ إِرْسَالُ الْمَلَكِ عَلَى التَّعَدُّدِ , فَمَرَّةً فِي اِبْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَة وَأُخْرَى فِي اِنْتِهَاء الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة لِنَفْخِ الرُّوح.

و الله أعلم

ـ[أبا قتيبة]ــــــــ[01 - 08 - 08, 02:03 م]ـ

ذكر ابن القيم رحمه الله:

حديث " كل ميسر لما خلق له " ثم قال: وقد روى مسلم في صحيحه عن حذيفة - يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: يا رب، أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيكتبان ويكتب عمله، وأثره، وأجله، ورزقه، ثم تكتب الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص " وفي الصحيحين عن أنس بن مالك - ورفع الحديث - قال: " إن الله قد وكل بالرحم ملكا، فيقول: أي رب، نطفة! أي رب، علقة؟ أي رب، مضغة؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال الملك: أي رب، ذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه ". وهذا مثل حديث ابن مسعود - حديث الصادق المصدوق - " أن كتابة الأجل والشقاوة والسعادة والرزق في الطور الرابع ".

وحديث حذيفة بن أسيد يدل على أن الكتابة في الطور الأول.

وقد روي حديث حذيفة بلفظ آخر، يتبين المراد منه، وأن الحديثين واحد، وأنهما متصادقان، لا متعارضان. فروى مسلم في صحيحه عن عامر بن واثلة: أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: " الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره. فأتى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقال له: حذيفة بن أسيد الغفاري. فحدثه بذلك من قول ابن مسعود. فقال: وكيف يشقى بغير عمل؟ فقال الرجل: العجب من ذلك. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك. ثم يقول: يا رب، أجله؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك. ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص "

وفي لفظ آخر عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذنى هاتين يقول " إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة، ثم يتصور عليها الملك - قال زهير بن معاوية: حسبته قال: - الذي يخلقها، فيقول: يا رب، أذكر أم أنثى؟ فيجعله الله ذكرا أو أنثى. ثم يقول: يا رب، أسوي أو غير سوي؟ فيجعله الله سويا، أو غير سوي، ثم يقول: يا رب، ما رزقه؟ ما أجله؟ ما خلقه؟ ثم يجعله شقيا أو سعيدا ".

وفي لفظ آخر " أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا بإذن الله لبضع وأربعين ليلة " ثم ذكر نحوه. فدل حديث حذيفة على أن الكتابة المذكورة وقت تصويره، وخلق جلده ولحمه وعظمه وهذا مطابق لحديث ابن مسعود. فإن هذا التخليق هو في الطور الرابع، وفيه وقعت الكتابة. فإن قيل: فما تصنع بالتوقيت فيه بأربعين ليلة؟

قلت: التوقيت فيه بيان أنها قبل ذلك لا يتعرض لها، ولا يتعلق بها تخليق ولا كتابة، فإذا بلغت الوقت المحدود، وجاوزت الأربعين وقعت في أطوار التخليق طبقا بعد طبق، ووقع حينئذ التقدير والكتابة، وحديث ابن مسعود: صريح في أن وقوع ذلك بعد كونه مضغة بعد الأربعين الثالثة، وحديث حذيفة فيه: أن ذلك بعد الأربعين، ولم يوقت البعدية، بل أطلقها، ووقتها في حديث ابن مسعود. وقد ذكرنا أن حديث حذيفة دال أيضا على ذلك.

ويحتمل وجها آخر: وهو أن تكون الأربعون المذكورة في حديث حذيفة هي الأربعين الثالثة، وسمي الحمل فيها نطفة، إذ هي مبدؤه الأول.

وفيه بعد، وألفاظ الحديث تأباه.

يحتمل وجها آخر: وهو أن التقدير والكتابة تقديران وكتابتان.

فالأول منهما: عند ابتداء تعلق التحويل والتخليق في النطفة وهو إذا مضى عليها أربعون، ودخلت في طور العلقة، وهذا أول تخليقه.

والتقدير الثاني والكتابة الثانية: إذا كمل تصويره وتخليقه، وتقدير أعضائه، وكونه ذكرا أو أنثى من الخارج، فيكتب مع ذلك عمله ورزقه وأجله، وشقاوته وسعادته. فلا تنافي بين الحديثين، والحمد لله رب العالمين.

ويكون التقدير الأول: تقديرا لما يكون للنطفة بعد الأربعين، فيقدر معه السعادة والشقاوة، والرزق والعمل. والتقدير الثاني: تقديرا لما يكون للجنين بعد تصويره، فيقدر معه ذلك ويكتب أيضا، وهذا التقدير أخص من الأول.

ونظير هذا: أن الله سبحانه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم يقدر ليلة القدر ما يكون في العام لمثله، وهذا أخص من التقدير الأول العام، كما أن تقدير أمر النطفة وشأنها يقع بعد تعلقها بالرحم، وقد قدر أمرها قبل خلق السموات والأرض.

ونظير هذا: رفع الأعمال وعرضها على الله تعالى، فإن عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق " أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " ويعرض عمل الأسبوع: يوم الاثنين والخميس، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وعمل اليوم: يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار. فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله، وطويت صحيفة العمل. وهذه المسائل من أسرار مسائل القضاء والقدر. فصلوات الله وسلامه على هادى الأمة

والله علم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015