" وقد تعقب الإمام الخطابي في معالم السنن تلك النظرة من ابن عباس، فإنه قال بعد الرواية التي ساقها ابن القيم من طريقه: " فهذا يبين لك أنه إنما سلك فيه مذهب القياس وشبهه بالمضطر إلى الطعام وهو قياس غير صحيح؛ لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق كهي في باب الطعام الذي به قوام الأنفس، وبعدمه يكون التلف. وإنما هذا من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر " انتهى كلام الخطابي، وقد نقله عنه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار وتلقاه بالقبول.

وممن لم ترقه هذه النظرة من ابن عباس أبو بكر الجصاص، قال في أحكام القرآن ج / 148: " روي عنه أي عن ابن عباس أنه جعلها - متعة النساء - بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم، وأنها لا تحل إلا لمضطر، وهذا محال؛ لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة؛ وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف النفس إن لم يأكل وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء من أعضائه التلف، بترك الجماع وفقده، وإذا لم تحل في حال الرفاهية، والضرورة لا تقع إليها، فقد ثبت خطرها واستحال قول القائل أنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم فهذا قول متناقض مستحيل وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس، وهما من رواتها؛ لأنه كان - رحمه الله - أفقه من أن يخفى عليه مثله، فالصحيح إذا ما روي عنه من خطرها وتحريمها، وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها " انتهى كلام أبي بكر الجصاص، فلما ذكره هو والخطابي والحازمي يقتصر بعض أهل العلم على القول بالتحريم لدلالة النص والإجماع، وابن عباس رضي الله عنهما لا يُستغرب رجوعه عن فتواه فقد أُثر عنه ذلك في رجوعه عن القول بأنه لا ربا إلا في النسيئة، فلا يحل لمسلم أن يستند إلى ابن عباس في قول قد ثبت رجوعه عنه والعلم عند الله تعالى. .

أما رجوع ابن عباس عن إباحته متعة النساء فقد ذكره كثير من أهل العلم منهم من يلي:

1 - الترمذي قال في جامعه في باب تحريم نكاح المتعة ج 5 ص 49 بعد أن ذكر أن العمل عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم على تحريم نكاح المتعة، قال: " وإنما روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة، ثم رجع عن قوله حيث أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها ".

2 - أبو بكر الجصاص قال في أحكام القرآن ج 2 ص 148، 149: " روي عن جابر بن زيد أن ابن عباس نزل عن قوله في الصرف. وقوله في المتعة، ثم قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى: سورة النساء الآية 24 فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ قال: نسختها سورة الطلاق الآية 1 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال: وهذا يدل على رجوعه عن القول بالمتعة. واستمر الجصاص إلى أن قال: فالذي حصل من أقاويل ابن عباس القول بإباحة المتعة في بعض الروايات من غير تقييد لها بضرورة، ولا غيرها.

والثاني: أنها كالميتة تحل للضرورة، والثالث: أنها محرمة. وقد قدمنا ذكر سنده وقوله أيضا: أنها منسوخة. ومما يدل على رجوعه عن إباحتها ما روى عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن أبا إسحاق مولى بني هاشم حدثه أن رجلا سأل ابن عباس فقال: كنت في سفر ومعي جارية لي ولي أصحاب فأحللت جاريتي لأصحابي يستمتعون منها، فقال: ذلك السفاح. وقال الجصاص أيضا: كان الذي شهر عنه إباحة المتعة من الصحابة عبد الله بن عباس واختلفت الروايات عنه في ذلك.فروي عنه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015