ـ[مني لملوم]ــــــــ[27 عز وجلec 2010, 12:03 ص]ـ
إنه كثيرا ما وقع للمؤرخين أئمة النقل، من المغالط في الحكايات والوقائع، لإعتمادهم فيها علي مجرد النقل غثا أو سمينا، ولم يعرضوها علي أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف علي طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة، فضلوا عن الحق - وتاهوا في بيداء الوهم والغلط" ابن خلدون.
ولهذا فيجب علينا تنقية تاريخنا ولهذا كانت تلك السلسلة إن شاء الله.
-
1 - براءة المسلمين من تهمة إحراق مكتبة الإسكندرية
http://www.islamstory.com/images/stories/articles/97/699_image003.jpg
لقد خاض بعض المتأخرين من المؤرخين في مسألة مكتبة الإسكندرية، وناقش هذه القضية كثير من المستشرقين مثل جبون وبتلر وسديولوت وغيرهم، ولكنهم لم يجزموا فيها برأي، وارتاب بعضهم في صحة تهمة إحراق هذه المكتبة التي وُجِّهَت إلى عمرو بن العاص، بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب.
ويجزم الدكتور جوستاف لوبون في "حضارة العرب" (ص 213) بخرافة القصة:"وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم، فمن الأعمال الهمجية التي تأباها عادات العرب والمسلمين، والتي تجعل المرء يسأل: كيف جازت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنًا طويلاً؟! وهذه القصة دحضت في زماننا، فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن نثبت -بما لدينا من الأدلة الواضحة- أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح الإسلامي".
وكذلك جاك. س.ريسلر (في ص 100/ 101 من الحضارة العربية) اعتبر: حريق الإسكندرية أسطورة. وإذا رجعنا إلى المؤرخين المعاصرين للفتح الإسلامي لمصر مثل "أوتيخا" الذي وصف فتح مصر بإسهاب، فلن نجد ذكرًا لهذه التهمة.
كما أنهالم ترد في كتب الأقدمين: كاليعقوبي، والبلاذري، وابن عبد الحكم، والطبري، والكندي، ولا في تاريخ من جاء بعدهم وأخذ منهم: كالمقريزي، وأبي المحاسن، والسيوطي، وغيرهم.
وأول من نسب الحريق إلى عمرو بن العاص هو عبد اللطيف البغدادي (629هـ/ 1231م)، ومن بعده ابن القفطي (646هـ/ 1248م)، ثم أوردها أبو الفرج غريغوريوس الملطي (وهو ابن العبري) دون ذكر السند، ودلل المؤرخون الذين أخذوا عن هؤلاء حديثًا - على هذا الأمر بما يلي:
الدليل الأول: بأن المسلمين كانت لهم رغبة عظيمة في محو كل كتاب غير القرآن والسنة.
الدليل الثاني: أن رواية الحريق لم يروها أبو الفرج فقط، بل رواها أيضًا مؤرخان مسلمان: البغدادي وابن القفطي.
الدليل الثالث: أن المسلمين الفاتحين أحرقوا كتب الفرس، كما ذكر حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون. والرابع: بأن إحراق الكتب كان أمرًا معروفًا وشائعًا، يتشفَّى به كل مخالف ممن خالفه في رأيه، كما عمل هولاكو التتري سنة 656هـ بإلقاء خزائن الكتب في دجلة.
ونحن نجيب بأن:
الدليل الأول: غير مُسَلَّم به؛ لأنه المعروف من أخلاق المسلمين أنهم كانوا يشجعون العلم، بدليل ما ذكره أبو الفرج من أن عمرو بن العاص كان يُصغِي إلى أقوال يوحنا النحوي.
والدليل الثاني: وهو أن أبا الفرج لم يروِ هذه الرواية وحده، بل رواها أيضًا البغدادي وابن القفطي، وهما مؤرخان إسلاميان عظيمان، فيمكن دحضه بما سنورده - بعد قليل - في مناقشة ما ذكره أبو الفرج لأنهم عاشوا في عصر واحد، وروايتهم واحدة تقريبًا، ولا يبعد أن يكونوا قد أخذوا ذلك عن مصدر ضائع معادٍ للعرب والإسلام.
والدليل الثالث: لم نَرَ من المؤرخين من ذكره إلا حاجي خليفة، ومثل هذا المؤرخ لا يُؤخَذُ بكلامه ولا يعول عليه في المسائل التاريخية المقدمة؛ لأنه توفي سنة (1067هـ/ 1657م)؛ فلو أن المسلمين أحرقوا هذه المكاتب لذكر ذلك المؤرخون الذين تقدموا حاجي خليفة.
والدليل الرابع: لا يثبت دعواهم؛ لأنه لا يقاس هولاكو بعمر بن الخطاب، ولا يقاس من جاء ليحصد الحضارات عامة، بمن قام بنشر الحضارة في العالم.
وقد أسهب بعض المؤرخين المحدثين في تفنيد رواية الإحراق، لا سيما رواية أبي الفرج، وذكروا ما يدل على أن عَمْرًا وعُمر بريئان مما نسب إليهما. وهذه هي رواية أبي الفرج عن كيفية الحريق على يد عمرو بن العاص، قال:
¥