الساعة الخامسة والسابعة صباحاً ..

ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[24 عز وجلec 2010, 06:05 ص]ـ

مقال جميل "منقول" ..

" ثمة مشهد لا أمل من التأمل فيه، ولا أمل من حكايته لأصحابي وإخواني، هو ليس مشهداً طريفاً، بل والله إنه يصيبني بالذعر حين أتذكره، جوهر هذا المشهد هو بكل اختصار "المقارنة بين الساعتين الخامسة والسابعة صباحاً" في مدينتي الرياض التي أعيش فيها، أقارن تفاوت الحالة الشعبية بين هاتين اللحظتين اللتين لايفصل بينهما إلا زهاء مائة دقيقة فقط ..

في الساعة الخامسة صباحاً، والتي تسبق تقريباً خروج صلاة الفجر عن وقتها تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر، إما تسبح وإما تستاك في طريقها ريثما تكبر (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) .. بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لايزالون في فرشهم، بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصلون ويدعون فتيان المنزل وفتياته في سباتهم ..

حسناً .. انتهينا الآن من مشهد الساعة الخامسة .. ضعها في ذهنك ولننتقل لمشهد الساعة السابعة .. ما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والدوام .. إلا وتتحول الرياض وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار .. حركة موارة .. وطرقات تتدافع .. ومتاجر يرتطم الناس فيها داخلين خارجين يستدركون حاجيات فاتتهم من البارحة .. ومقاهي تغص بطابور المنتظرين يريدون قهوة الصباح قبل العمل ..

أعرف كثيراً من الآباء والأمهات يودون أن أولادهم لو صلو الفجر في وقتها، يودون فقط، بمعنى لو لم يؤدها أبناؤهم فلن يتغير شئ، لكن لو تأخر الابن "دقائق" فقط، نعم أنا صادق دقائق فقط عن موعد الذهاب لمدرسته فإن شوطاً من التوتر والانفعال يصيب رأس والديه .. وربما وجدت أنفاسهم الثائرة وهم واقفون على فراشه يصرخون فيه بكل ما أوتو من الألفاظ المؤثرة لينهض لمدرسته ..

هل هناك عيب أن يهتم الناس بأرزاقهم؟ هل هناك عيب بأن يهتم الناس بحصول أبنائهم على شهادات يتوظفون على أساسها؟ أساس لا .. طبعاً، بل هذا شئ محمود، ومن العيب أن يبقى الإنسان عالة على غيره ..

لكن هل يمكن أن يكون الدوام والشهادات أعظم في قلب الإنسان من الصلاة؟

لاحظ معي أرجوك: أنا لا أتكلم الآن عن "صلاة الجماعة" والتي هناك خلاف في وجوبها (مع أن الراجح هو الوجوب قطعاً)، لا .. أنا أتكلم عن مسألة لاخلاف فيها عند أمة محمد طوال خمسة عشر قرناً، لايوجد عالم واحد من علماء المسلمين يجيز إخراج الصلاة عن وقتها، بل كل علماء المسلمين يعدون إخراج الصلاة عن وقتها من أعظم الكبائر ..

بالله عليك .. أعد التأمل في حال ذينك الوالدين اللذين يلقون كلمة عابرة على ولدهم وقت صلاة الفجر "فلان قم صل الله يهديك" ويمضون لحال شأنهم، لكن حين يأتي وقت "المدرسة والدوام" تتحول العبارات إلى غضب مزمجر وقلق منفعل لو حصل وتأخر عن مدرسته ودوامه ..

بل هل تعلم يا أخي الكريم أن أحد الموظفين -وهو طبيب ومثقف- قال لي مرة: إنه منذ أكثر من عشر سنوات لم يصل الفجر إلا مع وقت الدوام .. يقولها بكل استرخاء .. مطبِق على إخراج صلاة الفجر عن وقتها منذ مايزيد عن عشر سنوات.

وقال لي مرة أحد الأقارب إنهم في استراحتهم التي يجتمعون فيها، وفيها ثلة من الأصدقاء من الموظفين من طبقة متعلمة، قال لي: إننا قمنا مرة بمكاشفة من فينا الذي يصلي الفجر في وقتها؟ فلم نجد بيننا إلا واحداً من الأصدقاء قال لهم إن زوجته كانت تقف وارءه بالمرصاد (هل تصدق أنني لازلت أدعوا لزوجته تلك) ..

يا الله .. هل صارت المدرسة -التي هي طريق الشهادة- أعظم في قلوبنا من عمود الإسلام؟!

هل صار وقت الدوام –الذي سيؤثر على نظرة رئيسنا لنا- أعظم في نفوسنا من ركن يترتب عليه الخروج من الإسلام؟

هذه المقارنة الأليمة بين الساعة الخامسة والسابعة صباحاً هي أكثر صورة محرجة تكشف لنا كيف صارت الدنيا في نفوسنا أعظم من ديننا ..

بل وانظر إلى ماهو أعجب من ذلك .. فكثير من الناس الذي يخرج صلاة الفجر عن وقتها إذا تأخر في دوامه بما يؤثر على وضعه المادي يحصل له من الحسرة في قلبه بما يفوق مايجده من تأنيب الضمير إذا أخرج الصلاة عن وقتها ..

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015