يُصرّون على شرب الخمر لا يشربونها إلاّ في أوقات يستطيعون بعدها أن يصحوا ويصلوا فأصبحوا لا يشربون إلا بعد الفجر وبعد العشاء لأنه وقت طويل يستطيع بعدها الذي يشرب الخمر أن يصحو من سكره ويصلي. ثم جاءت المرحلة النهائية في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فاجتنبوه هنا هذا أمرٌ يدل على التحريم, الآن عندما تسأل أيّ واحد ما حكم الخمر؟! لا يستدل بالآيات الثلاثة الأولى وإنما يستدل بالآية النهائية, وهذه الحقيقة فيها فائدة تربوية وهي مسألة التدرج في التشريع. ومن أظهر صور التدرج التي يُمثل بها العلماء هذه الآيات التي هي تحريم الخمر أنه لم يأتِ مباشرة من أول ما نزل القرآن الكريم فيقول (فاجتنبوا الخمر) كما قالت عائشة رضي الله عنها لم يكن هناك, سوف تكون الاستجابة ضعيفة جدًا
د. الخضيري: وقد يكون سببًا في صدّ الناس عن الدخول في الإسلام أيضًا
د. الشهري: بالضبط ولذلك التدرج في التربية دائمًا والتدرج في التشريع مسألة لابد من مراعاتها من المربّين كما راعاها الله سبحانه وتعالى في كتابه, وإلا لو نزل الأمر من أول نزول القرآن بالتحريم لما كان يسع الناس إلا الاستجابة, لكن بالرغم من ذلك الله سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم ما يصلح لهذه النفوس , تدرج في تحريم الخمر حتى قطعها وأصدر القرار النهائي بتحريمها
د. الخضيري: الحقيقة أنا ما كنت أتوقع أنه يوجد في أهل الإسلام من يسلك هذا المسلك في أنه يختار الآية التي يريد ويدع ما لا يريد. ولكن يظهر أنّ هذه السنّة تجري على الأمم كلها في المجتمعات والأزمان والقرون يوجد من يتخير, وهؤلاء لا شكّ أنّهم متبّعون للهوى. ولذلك قال الله عزو جل في سورة آل عمران -ونحن نبهّنا عليها في مجالس تلك السورة العظيمة- (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) قف عندها، هو في قلبه زيغ (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) فنحن أمام هذه الآيات التي تشكل علينا ويشكل علينا معناها ولا نعرف مراحلها وتدرجها يجب علينا أن نرجع فيها إلى الراسخين في العلم, ولا نرجع إلى واحد بضاعته من العلم مجموعة من الصحف يقرأها يوميًا ثم أحسن بعد ذلك كيف يكتب كلمتين ويرصف حرفين فهذا لا يجوز له أبداً أن يتكلم في مسائل العلم. الله عزوجل يقول (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)
د. الطيار: طبعًا سبب نزول الآية كما هو معلوم أنّ بعض الصحابة الذين كانوا يشربون الخمر فحضرت صلاة المغرب فقيل أنهم قدّموا عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُصلي بهم فقرأ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)
د. الشهري: وقيل أنّ عبد الرحمن بن عوف الذي صلّى
د. الطيار: هو طبعاً قيل غيره, هو المقصود أنّ واحدًا من الصحابة صلّى بهم وهو سكران, طبعاً السكران كما هو معلوم أنّ السكر هو مخالطة العقل يعني اختلاط العقل، لكنّه لا يدل على ذهابٍ تام وإلا لو كان على ذهابه التام لما استطاع أن يقرأ ولا أن يصلي. ولكنه أحدث عنده هذا السكر ما جعله تختلط عليه القراءة. هذا هو سبب النزول الصريح في هذه الآية. ورد عن الضحّاك خلاف ذلك قال: لم يعني سكر الخمر وإنما عنى سُكر النوم, وورد أيضًا عن ابن عباس لكنّه ليس كنفي الضحّاك بمعنى أنّ ابن عباس قال: (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) قال: سُكر النوم, فما ذهب إليه الضحّاك ليس بصحيح في أنها لا يعني بها سكر الخمر, لو قال (لم) يعني سكر الخمر هذا المقطع ليس بصحيح, ودخول سكر النوم هذا سيأتي له تفصيل ولكن المقصد أنّ سبب النزول هذا واضح وصريح. لو تأمّلنا قول الضحّاك في كونه سكرًا له, أي لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى بسبب النوم أيضًا هذا صحيح يدخل لكن من باب القياس لأنّ حال من به شدة النوم يُشبه حال من به سكر الخمر,
¥