الأخ الكريم مالك .. ثمة فرق بين القول بأن كشف الساق في الحديث يحتمل بحسب اللغة والفهم معاني عديدة دون تعيين معنى من تلك المعاني التي تصح في حق الله تعالى، وهو المدعى، وصحته واضحة، وبين القول بأن هذا المعنى بخصوصه غير مراد لله تعالى، فهذا لا يضر أصلا في المدعى وهو أن الكشف عن الساق يحتمل عدة معاني مقبولة لغة وعقلا. وقد كانت مشاركتي اصلا في بيان عدم دقة قول الشيخ مساعد الطيار أن كشف الساق في الحديث النبوي لا يحتمل إلا معنى واحدا وهو كشف الساق التي هي صفة لله تعالى وأن الساق محمول فيه على معناه الحقيقي والظاهر مع نفي الكيف كما هو مذهبه في باقي الصفات كالنزول واليد والعين والأصابع إلى آخر ما هو معروف عن ذلك المذهب. وأردت بيان أن أكابر شراح الحديث النبوي لم يحمل واحد منهم الساق على ظاهرها وأنها صفة لله تعالى مع نفي العلم بالكيف فقط، ولم يفرقوا بين الآية التي أول فيها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الساق بالشدة وبين ما جاء في الحديث، بل هما يدلان عندهم على واقعة واحدة، وعدم وصول تفسير ابن عباس رضي الله عنهما للحديث لا يدل أبدا على أنه يفرق بينه وبين الآية أو يحمل الحديث على معناه الظاهر ويؤول الآية فقط، فمحاولة التفريق بين ما ورد في الآية وما ورد في الحديث روم لشيء محال. وأصلا لم يقل بتلك التفرقة أحد من شراح الحديث المعتمدين كالخطابي والنووي وابن حجر والكرماني وغيرهم ممن لا يحصون كثرة وأفنوا أعمارهم في بيان معاني الأحاديث النبوية. ومراجعة التفاسير العديدة المعتمدة تفيد ذلك أيضا.
والحاصل أن من قال بمذهب الشيخ مساعد في الصفات ــ وهو حملها على ظاهرها مع نفي العلم بالكيف فقط ورفض التأويل مطلقا ــ يستحيل عادة أن يقر بتأويل كشف الساق في الحديث وحمله على غير ظاهره كما هو معروف من مذهبه في الصفات، وذلك لأن الإقرار بتأويل الساق وحملها على غير المعنى الظاهر ــ كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما في الآية ــ سيعتبر عنده من صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله، وهو التأويل المذموم عنده، ويلزم منه الاعتراف بصحة التأويل في غيره من آيات وأحاديث الصفات لأن المقتضي للتأويل ـ وهو قبولها لمعاني أخرى صحيحة لغة وعقلا ـ متحقق فيها، فقبوله التأويل في حديث كشف الساق يلزم منه قبول التأويل في أحاديث النزول والأصابع والهرولة وغير ذلك مما يأبى أهل مذهبه في تلك الصفات تأويله. ولذلك التجأ الشيخ مساعد إلى القول بأن كشف الساق في الحديث لا يحتمل أصلا إلا معنى واحدا وهو كشف صفة الإله المسماة بالساق المحمولة على معناها الظاهر مع نفي العلم بالكيف فقط. بل ادعى أن الحديث نص في ذلك لا يحتمل غيره. وقد بينت ببعض النقول أن الحديث بشهادة أئمة الحديث يحتمل عدة معاني مقبولة لغة وعقلا، بل هي من معاني مأخوذة من لسان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، بصرف النظر عن تعيين معنى من تلك المعاني فذلك غير مقصود من المشاركة أصلا. وبالله تعالى التوفيق.
ـ[مالك حسين]ــــــــ[02 Oct 2008, 10:55 ص]ـ
الأخ الفاضل (نزار حمادي) حفظه الله
هل إيراد شراح الأحاديث رحمهم الله التأويل لبعض الصفات يكون مقبولاً على الإطلاق؟
قد يكون في بعض المعاني تضاد وليس تنوعاً، فما هو المرجح؟
وأسوق كلاماً (للإمام ابن القيم) رحمه الله في كتابه ((الصواعق المرسلة على الجهيمة المعطلة)): (ج1/ ص252 - 253)
"وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكراً، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه ((فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجداً)).
ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود}
مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فيكشف عن ساقه فيخرون له سجداً))، وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة، جلت عظمتها، وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه.
قالوا: وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال كشفت الشدة عن القوم لا كشف عنها؛ كما قال الله تعالى {فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} [الزخرف:50]
¥