ومكدرات وتعب شيء طبيعي قد كتبه الله على كل العباد لا تظن أنك أنت الوحيد عندما تتكدر عليك الأمور أو تقف في وجهك العوائق أنك أنت الوحيد في هذا الميدان. بل كل الناس كذلك لكن المؤمن يمضي واعلم أن هذا قد كتب من عند الله سبحانه وتعالى ولا بد لك من الصبر. وأذكر في هذا الباب قصة جميلة إمرأة حصل بينها وبين زوجها كلام وخلاف فضربها زوجها فخرجت من عنده تريد أن تذهب إلى بيت أهلها مما أصابها من الضيم والظلم فمرت بالمسجد وإذا بالإمام يقرأ (لا اقسم بهذا البلد كبد) لما سمعت هذه الاية قالت سبحان الله! (لقد خلقنا الإنسان في كبد) يعني الإنسان سيعيش كبدًا سيعيش مشقة وتعبًا! إذن لا بد لي من الصبر، كبدي مع زوجي وأولادي خير لي من كبدي مع والدي وزوجة والدي، ليس هناك حياة ليس فيها كدر وعلى الإنسان أن يكافح ويجاهد وأن يتقدم ولا يتأخر وأن يبدع وأن لا يتأثر بما يصيبه من أكدار الحياة وأنصابها فرجعت ودخلت بيتها وجاءت إلى فراش زوجها فاستغرب وقال ما الذي ردّك؟ قالت والله ما ردني والدي ولا زوجة والدي ولكن ردني القرآن سمعت الله يقسم ويقول (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فعلمت أنه عليّ كبد ولا بد أن أكافح وأن أصبر وأصابر وارابط وأعلم أن العاقبة للمتقين، (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فردّني القرآن.
نعود للآية الأولى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) قالها بعد الآية (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) بشّر الآن تساق البشارة لأولئك الذين سيصابون بالبلاء ما قال يا أيها الناس إصبروا حتى تلقوا الله، لا، هي بشارات تساق لهؤلاء الذين يصابون بالأتعاب والأنكاد والأنصاب أنكم على بشارة من الله (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) يسلون أنفسهم بكلمتين عظيمتين وأعلم أن كثيرًا من الناس ينطقون بهاتين الكلمتين عند المصيبة ولا يدركون ما فيهما من معنى عظيم لو أدركوه لذهب عنهم كل كدر المصيبة. علينا أن نتأمل هذه الكلمات ونستشعر ما فيها من معاني (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (إنا لله) أنا ملك لله يتصرف الله تعالى بي كما يريد أنا لا أدبر أمري بل أمري مدبر من قبل الله سبحانه وتعالى وهذا الذي وقع علي ما وقع باختياري وإنما هو بقدر الله عليّ ولله أن يفعل بي وبسائر الخلق ما شاء. نحن ملك لله نحن لا يحق لنا أن نعترض على الله فيما يريده في ملكه. الثانية (وإنا إليه راجعون) يعني نحن جميعًأ سنرجع إلى الله، يعني هذا الذي مات بالأمس أو هذا القريب الذي ذهب منك أو هذا المال الذي سرق منك رجعل إلى الله وأنت سترجع إلى الله إذن هذه الدنيا ممر والجميع سيرجع إلى الله فأنت لماذا تتألم؟! الآن إذا قيل لك تبكي على والدك؟ على أمك التي ماتت؟ أنت سترجع إليها وتجتمع بها وتلتقي بها بعد أيام، تقول إذن كان الأمر كذلك سأصبر. فلا ينبغي إذن أن تكون هذه المصيبة التي وقعت بي سببًا في أن يكدر عليّ أو يوقف الحياة أو يجعل الحياة سوداء بالنسبة لي! لا، أمضي وأفعل ما أمرني الله عز وجل به واقدم وأجاهد وأكافح والله عز وجل في أواخر سورة آل عمران بعد الآيات التي ذكرت غزوة أحد وما فيها من الآلآم والمشقة على رسول الله حتى قال الله (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (165) آل عمران) قال الله تعالى في آخر السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) آل عمران) يأمرنا بأن نصبر لأن الحياة لا بد أن تكون كذلك وأن نعلم أن صبرنا هذا سيؤدي إلى نتيجة (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (29) الأنفال).
كيف يستشعر الإنسان أن مع العسر يسرًا؟ وإن الله مع المؤمنين؟
¥