وجاء في شأن من يسبق للجنة , ما دلّ عليه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام} رواه الترمذي وصححه ابن حبان والألباني.
وثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا} يعني بأربعين عاما.
قال العلامة ابن القيم: {وتختلف مدة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء , فمنهم من يسبق بأربعين , ومنهم من يسبق بخمسمائة , كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب جرائمهم , والله أعلم}.
قال: {ولكن ها هنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم} يقول ابن القيم: لا يلزم من سبق دخول الفقراء إلى الجنة قبل الأغنياء أن تكون منازلهم أرفع من منازل الأغنياء , قال: {بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإن سبقه غيره في الدخول , والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألف , وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم.
والغني إذا حوسب على غناه أو وجد قد شكر الله فيه , وتقرب إليه بأنواع البر و الخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال , ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله , وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا ..
فالمزيّة مزيّتان: مزيّة سبق ومزيّة رفعة , و قد يجتمعان وينفردان , فيُحصّل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر, ويحصل لآخر السبق دون الرفعة , ولآخر الرفعة دون السبق .. وهذا بحسب المقتضي للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق .. } ..
وبعد أيها الكرام ...
فالموفّق من جعل من أولوياته الكبرى في هذه الحياة الدنيا أن يحمل على أن يكون من السابقين لدخول الجنة والحلول في منازلها العالية , وليس مجرد دخولها فحسب ..
وقد استنهض الله همم عباده المؤمنين فقال سبحانه ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين)) وفي سورة الحديد قال سبحانه ((سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)) والمسارعة والمسابقة في الآيتين تتعلق بأسباب المغفرة , وأسباب دخول الجنة ..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا ًمن السابقين لدخول جنات النعيم .. إنه سبحانه برٌ رحيم ..
* الدرس في المرفق
* للاستماع للحلقة (7)
http://liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79959