ـ[طارق منينة]ــــــــ[30 Nov 2010, 02:30 ص]ـ
انهيار شرفات الاستشراق ... المفتون التاريخي!
بقلم طارق منينة
لا يعني إبطال الوليد بن المغيرة (وهو قائد وثني وسيد قرشي) لإتهامات قريش السابقة -ومنها "تهمة الجنون" التي أطلقوها كبداية لإعاقة الدعوة- انه كان يحاول أن يبطل "أصل" الفرية و"مادة" الإتهام الموجه للرسول بنكران وطغيان، فهو على كل حال كان معادياً للرسول كبقية قادة قريش الكافرة وصناديدها النافرة، ولولا أن فريته الجديدة تحظى من قومه بالإهتمام والقبول "تهمة السحر" لما أطلقها، بل هم اطلقوها أولا وهو قبلها بعد رفضه لها ما أعطاها دعم من أصحاب السلطان والمال، ما يعني أنه قَبِل بهواه ما كان عقله قد نقضه ونفاه: " ... قَالُوا: فَنَقُولُ: سَاحِرٌ؛ قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرِ، لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ ... وَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ لَأَنْ تَقُولُوا سَاحِرٌ". ان سهولة قبول الإتهام الجديد وتمريره في الأوساط القرشية والتلبيس به على الناس في عملية وثنية مُلبسة للخلط بين الساحر والنبي، والكاهن والنبي، والشاعر والنبي، فتح المجال لإتهامات مماثلة تم ترويجها وقبولها فيما بعد على مستوى واسع، اقليميا ودوليا،تمت صياغتها في سيناريوهات راحت تُرقع أساطيرها بنِتف تلك الإتهامات القرشية. وفيما كانت وعود الإسلام تتحقق ويكتسح الإنقاذ الإسلامي المدن العريقة للحضارات القديمة ويحرر فيها الأمم والشعوب ويسطر حضارة علمية عظيمة بمداد العلماء وبتجارب علمية معملية لفقهاء الكون ممن يسطرون قواعد المنهاج العلمي وهم يصلون ويذكرون الله كثيرا، كانت تلك الأساطير تحرق نفوس أهلها في دوائرها المتبرصة البعيدة (الكنيسة الغربية)، والقريبة (الكنيسة الشرقية) التي خلطت في أدبياتها بين الكاهن المسيحي المتمرد او الهرطوقي والنبي المرسل، وبين الدجال –الساحر- والمحتال والنبي المختار، كما رأيناه في اساطير وأدبيات بيزنطة (الصورة الأوروبية الوسيطة للإسلام)، حتى عميت عن حقيقة رسالة النبي مع أنها كانت تشاهد آثارها العلمية والعقلية والمدنية والدينية في مدن اوروبية كقرطبة وصقلية ومدن الأندلس عموما وغيرها من المدن الإسلامية. ولإنحطاط إهتماماتها لم تلتفت الا الى الحطّ من شخصية محمد رسول الله ورحمته للعالمين، حتى ان "مونتحمري وات" قال في ذلك "ليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حُط من قدرها في الغرب كمحمد" كذلك نجد حديثا ومع ظهور نتائج حضارة الإسلام وإفادة الغرب منها أيما إفادة- ان سيناريوهات الإتهامات العلمانية العصرية لشخص الرسول محمد مازالت تراوح مكان الإتهامات القديمة وإن شانَتها بمفاتن المذاهب الحديثة. وفيما نراها تحاول فضح اساطير البهتان القديمة نجدها تزرع اساطير جديدة تتذرع بالموضوعية وتتشدق بالعلمية والتاريخية ... وقد حولت "الجنون" القرشي كما عند "غوتاف لوبون" الى ما اطلق هو عليه "الهوس"! وله في العصر الاوروبي الوسيط مصطلحات اخر .. كما تحول المحتوى النفسي لمن كله شر (هكذا وصف رسول الله قديما) الي المحتوى المقتبس من اليهود والنصارى الي تهمة "محتوى اللاشعور الجمعي" (بل اليها كلها مجتمعة!!) التهمة التي أطلقها "مونتجمري وات" (انظر الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر لمونتجمري وات، ترجمة عبد الرحمن الشيخ، الهيئة العامة للكتاب، 1998، ص209) وهي التهمة الساقطة المستفادة من علياء فلسفة "يونج" "النفسية" وخياله المفرط والذي نقضه مفكرون اوروبيون كما نقد هو استاذه فرويد. وقد اشار "وات"الي انه استفاد تهمته من "يونج" كما في المرجع السابق ص206 - 208 - كما يقول: "والى عمل هذا اللاشعور الجمعي يعزى كثير من الأساطير الدينية بل وكثير من المعتقدات الجامدة" (ص207)، وتبعه في ذلك "مكسيم رودنسون" -الذي قلده في حججه ومنها زعمه ان القرآن صادر عن منطقة اللاوعي عند محمد! - وكذلك ذهبت "كارين آرمسترونج" التي قالت ايضا: "إنني مدينة -تحديدا- للمجلدين اللذين كتبهما مونتغمري واط محمد في مكة ومحمد في المدينة" ("الإسلام في مرآة الغرب" لكارين ص 18)
¥