, كما كنت أنصت في الأعوام الماضية عندما كنت بين الأهل في العراق، في بيجي كنا نتحلق حول الراديو ولعلهم اليوم فعلوا ما كنت أفعل معهم من قبل، وخاصة أن لهم مع الواقفين في عرفة أحبة، ولو أن كل من وقف على عرفة حبيب إلى نفس كل مسلم , ولكن ليس بعد الله ورسوله إلا الوالدان , اللهم فاغفر لي ولوالدي وإخواني وأخواتي وأقربائي والمسلمين آمين.
أول أيام العيد
الخميس 3 كانون الثاني 1974م = 10 ذو الحجة 1393هـ
كان صباح اليوم بارد النسمات , لكن في الأعماق ما يبعث في أوصالنا دِفْءاً وحرارة , صليت والأخ خليل صلاة العيد في الجامع الذي يقع عند (كوبري الزمالك) حيث غص الجامع بالمصلين وما أجمل التكبير والتهليل والدعاء وما أجمل اللغة التي يرددون بها ذلك , تشعر وأنت في داخل الجامع انه لم يبق أحدٌ إلا وقد حضر، و تخرج وتشعر كأن أحداً لم يحضر! وعدنا لحظات إلى البيت ثم بدأنا رحلة جديدة في الضحى , في كل هذه الانتقالات أتذكر الأهل وما كنا نفعله في مثل هذا الصباح من كل عام نخرج إلى الجامع فنحضر صلاة العيد ونعود إلى البيت لحظات ثم نخرج إلى أطراف المدينة لنلتقي الأقارب والأصدقاء , ونحن هنا نفعل الذي كنا نفعل , إذ نجد العيد فرصة لزيارة الأصدقاء والإخوة الذين تعرفنا عليهم هنا , ومن الأمور اللطيفة أني التقيت بشخص اسمه علي عبد الله صالح (6) من ألبو عجيل قرب تكريت، وهو خريج كلية الزراعة، قد حضر هنا للتدريب ولعله يسافر قريباً إلى إيطاليا لنفس الغرض , هو صديق الأخ سالم والأخ علي حميد وهو يذكرهم , وحين التقينا عرفني لأول وهلة.
عُدْتُ في المساء إلى البيت متعباً راضياً , وأطرقت أفكر أتذكر الوالد والوالدة وهم قد قضوا حجهم إذا شاء الله، وسيعودون بعد أيام قريبة إلى بيجي بعد أن حققوا أمنية عظيمة طال ما تطلعوا إليها ويتطلع إليها كل مسلم، الوالد كان يقول أول حجة ناقصة! لأن الحاج لا يعرف الأماكن ولا يؤدي الشعائر كاملة فلا بد من حجة ثانية تامة غير ناقصة , ذكرت أيضاً الأهل هناك على طرف الصحراء في بيجي الأقارب في تكريت وبغداد , لعلهم قد فرحوا بالعيد واحتفلوا طاعة لله وعبادة لا بطراً ولا معصية.
رُبَّ أخٍ
الجمعة 4 كانون الثاني 1964م = 11 ذو الحجة 1393هـ
إذا كان قد قيل سابقاً " رب أخ لك لم تلده أمك " فإنه أشد ما ينطبق على حال المسلم تجاه أخيه المسلم، كيف لا والله ربنا سبحانه يقول: ??? ?? لكن المهم أن يعيش المسلم هذه التجربة , تجربة الأخ المسلم الذي لم تلده أمه , أنا لم يمض لي هنا في القاهرة إلا شهر أو يزيد قليلاً , وجاء عيد الأضحى وكنت أشعر أني سأكون في هذا العيد وحيداً أو أني والأخ خليل سنكون وحيدين، ولكن بدد كل تلك الأفكار وذلك الشعور حلول العيد بكل ما يحمل من ذكريات وأفراح وآمال وآلام يتطلع المسلمون إلى اندمال الجروح التي تسببها , وإذا أنا أعيش خلال اليوم والأمس شعوراً قريباً من الشعور الذي يمكن أن أحسه بين الأهل، لا بل إن هذا الشعور تجربة جديدة فريدة جعلتني أحس بحق صدق ذلك القول بالنسبة للمسلم , وجعلني أفرح بوجود هذا الرابطة الأخوية بين المسلمين , من أوطان كثيرة ومن هذا البلد شباب لا تربطك بهم إلا رابطة هذا الدين والإخلاص لله ورسوله , تعيش معهم وتمنحهم قلبك لأنك تشعر أنهم يمنحونك كل حب وود وكل ما يمكن أن يمنحه بشر لأخيه لا لأجل مطمع أو غرض مادي يمكن أن يستفيدوه من وراء ذلك ولكن يدفعهم شعور المسلم تجاه أخيه المسلم وما يجب أن يكون عليه من حب لأخيه , إني لأعرف هنا في القاهرة بعض الأشخاص من العراق ولكن لم أكن حريصاً على الالتقاء بهم أو زيارتهم حتى في العيد , لأنهم لا يمكن أن يسمعوك إلا ما يؤذي، أما هؤلاء فإنهم ينقلونك إلى معنى يهزك من أعماقك.
زيارة
5 كانون الثاني 1974م = 12 ذو الحجة 1393هـ
¥