الثمن، أقول مرة أسكن في فندق وربما في نفس الفندق الذي كنت أنزل فيه من قبل، ومهما كانت الطريقة فيبدو أني سأنتقل مع بداية الشهر وتُحَلُّ كافة الأمور ساعتها بأي أسلوب، وأنا في خضم هذا التفكير وبعد أن عدت إلى البيت بعد الثامنة مساء إذا برسالة وصلت لي من الأهل وهي أول رسالة تشجعني على الثبات والإنفاق كيف ما أشاء وأنهم مستعدون لتلبية كافة الطلبات والرغبات، وأنا لا شك أقدر ذلك من أول الأمر ولكن ما ينبغي لي أن أطلق العنان أو أضع نفسي في موضع الإسراف من غير ما ضرورة تدعو إلى ذلك.

معاملة الإقامة

الأربعاء 26 كانون الأول 1973م = 30 ذو القعدة 1393هـ

حين عزمت على السفر إلى القاهرة كان لا بد من مروري على سفارة مصر في العراق، وأخذ إذن مسبق بالدخول إلى الأراضي المصرية، عندها كنت أريد أن أسافر بصفة زائر لعدم حصولي على القبول الرسمي وحصلت على إذن بالدخول والإقامة لمدة شهر، ويسر الله، وقد أوشك الشهر الآن أن ينتهي فلا بد إذن من عمل شيء، حصلت أمس على تصديق من الكلية إلى مديرية السفر والجوازات المصرية، ولا بد إلى جانب ذلك من تحويل عشرين جنيهاً مصرياَ بالسعر التشجيعي (كان قبل ذلك عشرة بالسعر الرسمي) عن كل شهر، قبل أيام دفعت أجور الدراسة بالسعر الرسمي، وبقي لدي من العملة الصعبة 90 باوناً استرلينياً، وهي تسعة شيكات سياحية من فئة عشرة باونات، وقد حولتها في بنك مصر فرع هلتون، وصارت (120 جنيهاً مصرياً) أي إنني يمكن أن أحصل على إقامة لمدة ستة أشهر على أساس تحويل عشرين جنيهاً لكل شهر، بعد هذا لا بد من الحصول على شهادة بالتحويل من بنك مصر المركزي معنوناً إلى مديرية الجوازات والسفر، وبعد رواح ومجيء ودَفْعِ بعض القروش عن الدمغة (أي الطابع) حصلت على الوثيقة، ولكن كانت الساعة قرب الواحدة والنصف، وعلي أن أسير بعض الوقت من قرب العتبة إلى مجمع التحرير، وصلت بعد الواحدة والنصف بقليل ودخلت على غرفة موظف الإقامة الخاصة بالبلاد العربية، وكلمت أحدهم أني أريد عمل إقامة، فما كان الجواب إلا أن قالوا: بُكْرَا الصبح، وكأن عملهم قد انتهى من الساعة الثانية عشرة، الظاهرة العامة التي بدت لى من خلال المراجعات المحدودة لبعض الدوائر الرسمية هنا أن الموظف قليل الالتزام بساعات العمل، ويبدو أن المراقبة والمحاسبة ضعيفة، وقد سمعت مثل هذا الشعور من آخرين، وهناك ظاهرة أخرى تتصل بهذا وهي أنك إذا تعرقلت لك معاملة أو حاولت أن تسرع في انجاز معاملة فإن ذلك ممكن عن طريق ما، إذا كنت تعرف صديقاً فإنه يتجاوز بك القانون، وإذا فُقِدَ الصديق فإن القروش تعمل عملها ولكن هذه ناحية خطرة، إذ أحياناً تسبب مشاكل، ولكن لن تقاس بما يناله الموظف المرتشي في العراق (4).

التخلي عن فكرة الانتقال

الخميس 27 كانون الأول 1973م = 3 ذو الحجة 1393هـ

لعلها كانت أخطر فكرة تلك التي راودتني خلال هذه الأيام وألحت علي كل الإلحاح وكادت أن تدفعني إلى متاهات ربما تكون نتائجها وخيمة على هدفي الذي جئت من العراق إلى هنا أسعى في سبيل الوصول إليه وتحقيقه، فقد أخذتْ تراودني فكرة أن السكن غير ملائم وأنه يسبب لي مشاكل كثيرة، وأني يجب أن أتحول إلى مكان أقرب، وأخذتُ أُسْقِطُ كل ظاهرة سيئة على عدم صلاحية السكن، مرة أقول المواصلات، أو لست أنا الذي أقول .. في داخلي شيء يقول إن المواصلات صعبة، وإن المكان بعيد، ومرة أخرى أقول إن المكان صاخب، وثالثة أفكر أن سبب ارتفاع المصاريف هو السكن، وظلت هذه الأفكار تختمر حتى أوشكت أن تسيطر على تصرفاتي ولم أعد أتجاهل هذا الذي يحدثني من داخلي، وحدثت الأخ خليل حول الانتقال .. لكنه رفض ذلك وطلب مني ألا أفكر بمثل هذه الأفكار التي ستجر علي المتاعب، ولكني كنت مُصِرّاً على أن هذا السكن سيؤثر في الوصول إلى الهدف الذي جئت أسعى إليه، ونتيجة لإلحاحي قال إنه يمكنني الانتقال وحدي إذا وجدت من أسكن معه ... وأين أجده، ولكنه ذكرني بأني شريك له في العقد والتأجير، وكأن هذه الأمور أصبحت جانبية لدي وما علي إلا أن أفكر في الانتقال، أعوذ بالله، قلت لا يلزم أن أجد من أسكن معه ويمكن أن أسكن وحدي، أؤجر شقة قريبة هادئة رخيصة وأعيش للدراسة، وإذا لم تكن هناك شقة فالفندق قريب نظيف لطيف! وأصبح كل

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015