الرسالة السادسة: الكلام على قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)

تأليف الإمام ابن رجب الحنبلي (736 - 795 هـ)

طبعت ضمن مجموع رسائل ابن رجب بتحقيق طلعت الحلواني، (المجلد الثاني)

وصف الرسالة:

كما هو ظاهر من عنوان الرسالة فهي تدور حول الكلام عن آية (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقد استطرد فيها ابن رجب على عادته وأورد فيها مباحث عدة، وانتقيت من فوائدها ما يلي:

- تكلم ابن رجب في بداية رسالته حول مسألة: وهي هل تقيد إنما الحصر أم لا، ورجح إفادتها للحصر وذكر على ذلك عدة أدلة منها أنها تتوارد وحروف النهي مثل: (إنما تجزون ما كنتم تعملون) = (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) وأجاب عما يستدل به من يقول أنها لا تفيد الحصر من أدلة كـ (إنما المؤمنون الذين إذا ... ) و (إنما الربا في النسيئة) و (إنما الشهر تسع وعشرون) فقال: معلوم من كلام العرب أنهم ينفون الشيء في صيغ الحصر وغيرها تارة لانتفاء ذاته وتارة لإنتفاء فائدته ومقصوده ويحصرون الشيء في غيره تارة لانحصار جميع الجنس فيه وتارة لانحصار المفيد أو الكامل فيه ثم إنهم تارة يعيدون النفي إلى المسمى وتارة إلى الاسم وإن كان ثابتا في اللغة إذا كان المقصود الحقيقي بالاسم منتفيا عنه ثابتا لغيره كقوله تعالى ( ... لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل .... ) فنفى عنهم مسمى الشيء مع أنه في الأصل شامل لكل موجود من حق وباطل لما كان ما لا يفيد ولا منفعة فيه يؤول إلى الباطل الذي هو العدم فيصير بمنزلة العدم بل قد يكون أولى من العدم من المعدم المستمر عدمه لأنه قد يكون فيه ضرر ... الخ

ثم أورد المزيد من الأدلة على ما قرره وخلص إلى ترجيح قوله السابق رحمه الله، فمثلا مما ذكره للإجابة عن (إنما الشهر تسع وعشرون): أن هذا هو عدد الشهر اللازم الدائم واليوم الزائد على ذلك جائز يكون في بعض الشهور ولا يكون في بعضها بخلاف التسعة والعشرين فإنه يجب عددها واعتبارها بكل حال.

ثم استدرك على أبي حيان إنكاره على الزمخشري ادعاء الحصر في آية (إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) لاستلزامه عنده أنه لم يوح إليه غير التوحيد، إذ قد ذكر أبو حيان أن الحصر بـ (أنما) المفتوحة لا يعرف إلا عن الزمخشري وحده، وذكر أنه رد عليه أبو محمد بن هاشم على أن (أن المفتوحة) فرع من (إن) المكسورة على الصحيح وانتصر للزمخشري في تقريره الحصر، ثم استدرك ابن رجب فقال: وهذاكله لا حاجة إليه في هذه الآية فإن الحصر مستفاد فيها من (إنما) المكسورة في أول الآية ....

ثم بعدها بصفحات ذكر نكتة حسنة وهي أن قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قد علم أنه يقتضي ثبوت الخشية للعلماء لكن هل يقتضي ثبوتها لجنس العلماء لا لكل فرد منهم؟ أو يقتضي ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء؟ ورجح أن الثاني هو الصحيح وتقريره من جهتين:

1 - أن الحصر هاهنا من الطرفين حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول (وقد فصل المراد بهذا في بدايات الرسالة فيرجع إليها للتفصيل)

2 - أن العلم إن كان سببا مقتضيا للخشية كان ثبوت الخشية تماما لجميع أفراد العلماء لا تتخلف إلا لوجود مانع ونحوه، وفصل في هذا بكلام له ولأبي العباس ابن تيمية شيخ الإسلام.

ثم ذكر بعد ذلك الكثير من الأثار التي تفيد المعنى السابق وهو أن العلم يوجب الخشية، وأن فقده يستلزم فقد الخشية، وبين هذا من وجوه:

1 - أن العلم بالله وأسمائه وصفاته كالكبرياء والعظمة والجبروت يوجب خشيته، وبذا فسر ابن عباس الآية، ويشهد له حديث (إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية) ... الخ

2 - أن العلم بتفاصيل الأمر والنهي والتصديق الجازم بذلك وبما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب ..... كل هذا يوجب الخشية .. ثم تكلم بكلام جميل على إثر هذا بعلاقةالشهوة والغفلة بالشر وأن الشهوة لا تستقل وحدها بفعل السيئات إلا مع الجهل ... الخ

3 - أن تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه وتصور حقيقة المحبوب يوجب طلبه، وذكر أثرا عن الحسن في ذلك ..

4 - أن كثيرا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جعل فاعله بحقيقة قبحه وبغض الله له، وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالما بأصل تحريمه وقبحه ... فجهله بذلك هو الذي جرأه على المعصية ..

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015