في الصباح أسرعت إلى المجموعة الثقافية، وقابلت الأستاذ حازم طه (وهو غير حازم عبد الله) وعرضت عليه الأمر، وطلبت منه أن يساعدني ويذهب معي إلى رئيس القسم فهو صديق له، وكأنه اعتذر عن ذلك بكلام طويل، ونصحني أن أذهب منفرداً، ولم أتأخر حتى لا تذهب الفرصة، دخلت إلى غرفة رجل يجلس بكآبة خلف طاولة إلى جانبه امرأة ربما كانت زوجته تعينه على قراءة شيء فهو كفيف قد غطى عيونه بنظارة سوداء، وعلمت أنه كان أستاذاً في كلية الشريعة بجامعة بغداد وقد دَرَّسَ الأخ سالم فيها، وأن زوجته مصرية، بعد السلام والاستئذان بالكلام طلب مني الجلوس وبعد شرب الشاي شرحتُ له الأمر وذكرت له أملي في أنه بإمكانه أن يساعدني، وأن يحقق لي شيئاً، ولكنه كان مثل من كان قبله، اعتذر لي بأن التعيينات أصبحت تصدر من مجلس الخدمة وأن الجامعة لا حول لها ولا طول سوى أن تبعث إلى مجلس الخدمة وتطلب منه أن يعلن عن حاجتها عن كذا موظف، أخيراً شكرته وتركت الكلية مسرعاً إلى رئاسة الجامعة التي تقع قرب المستشفى راجعت السادة في قسم الحقوق المالية، وأبوا علي إلا تقسيط المبلغ الذي بذمتي، وحاولت ولكن ذهبت محاولتي هباء، وأخيراً ذهبت إلى الدكتور عامر سليمان المسجل العام ومعاون رئيس الجامعة للشؤون الإنسانية، فهو يعرفني، كنت له تلميذاً يوماً ما، وشرحت له الأمر، فاهتم بالأمر نسبياً وتلفن إلى السيد مدير الحقوق وطلب منه مساعدتي، فاستجاب على أن أقدم طلباً إلى المفتش العام أطلب فيه تأجيل دفع المبلغ ستة أشهر، وفعلت وبعد حركة خفيفة في أروقة رئاسة الجامعة أتممت الطلب وتم لي تأجيل الدفع ستة أشهر، وقالوا لي إذا جئتهم بورقة تؤيد أني طالب فيما إذا قبلت مستقبلا في كلية دار العلوم بمصر– فإنهم سيؤجلون طلب تسديد المبلغ فترة أخرى، حاولت مقابلة مدير معهد المعلمين في الموصل وذهبت إلى بناية المعهد ولكن المدير لم يأت، قيل إن هناك حاجة في المعهد إلى محاضرين في اللغة العربية، لم يبق لي شيء في الموصل سوى أن أقفل راجعاً إلى بيجي.

تردد بين النحو وفقه اللغة

الأربعاء 14 تشرين الثاني 1973م = 19 شوال 1393هـ

بعد عودتي من الموصل وقر في نفسي أن دراسة النحو إذا قُبِلْتُ في القاهرة للحصول على الماجستير قد بدت لي غير مناسبة، أولاً مع تقدمي في النحو وقابليتي العلمية فيه فإني أبغض بعض تشعباته وتعليلاته، وثانياً إن المختصين في النحو قد ازدادوا في العراق زيادة ملحوظة أكثر من حاجة المدارس والمعاهد والكليات إليهم وبعد أربع أو خمس سنوات سيزدادون أكثر، ومعنى هذا أنه إذا كتب الله لي أن أكمل الدراسة في النحو فإن حالي سيكون مثل حالي اليوم، فوقر في نفسي أن أغير اتجاهي وأدرس فقه اللغة أو البلاغة أو النقد وما أكثر ميلي إلى فقه اللغة، وبدأت في محاولة دراسة بعض الكتب المتوفرة لدي في مجال فقه اللغة، وفطنت إلى نقطة مهمة وهي أن فقه اللغة يحتاج إلى تمكن في اللغة الإنكليزية مما أفتقده تقريباً وأن هذا ربما سيكلفني كثيرا، وسيشكل صعوبة إذا درست، ولكن رغم كل هذا فأنا كثيراً ما يشط بي الفكر وأرمي بالكتاب جانباً وأنزوي في داخلي في مساحة ضيقة محاولاً أن أضع خطوطاً عريضة للمستقبل لكنها دائما غير واضحة المعالم مما يسبب لي بعض الآلام المكتومة، وبدأت أنصت إلى ما يعلن من وظائف جديدة لعلي أجد ما يناسبني فأجعله أملاً إذا خابت الآمال، وأيضاً هذه الفكرة لا تكاد تتحقق، ومرة أقول إنني يمكن أن أذهب مع الحجاج إلى السعودية بصفة حاج – الوالد والوالدة سيحجون هذا العام إذا يسر الله - وخلال ذلك يمكن أن أتشبث وأجد لي عملاً وطريقاً في الحياة! أيسر وأعز من هذه الحياة التي توغل في القتام بعد أن سيطر على أطراف الملك ضراغمة الجهل وغوغائية اليسار ودعاة الإلحاد، وتحالفت أطراف الكفر في أحلاف تقتات على قوت الشعب ولا تنميه، لا بل إنها تقتات من دماء هذا الشعب الذي يعاني كل يوم من جديد، لا أدري، حيرة أنتظر عند الله لها مخرجاً وسبيلاً.

قبولي في دار العلوم

الأربعاء 21 تشرين الثاني 1973م = 26 شوال 1393هـ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015