رابعاً: المشكاة: يقابلها المسجد الذي يجمع أهل الإيمان والعمل والذين هم أهل الأنوار، فيقوم بجمع شتاتهم ثم يوجههم لينعكس كل ذلك خارج المسجد، أي في صعيد المجتمع، وبهذا تكون الصورة قد اكتملت:

تربية عقلية، تربية وتزكية للنفوس، استمداد من الوحي، ثم جمع وتوجيه يقوم به المسجد لينعكس في المجتمع، وبذلك تتكامل أنوار الهداية.

الدليل على كل ذلك:

أولاً: لُخِص المثل في الآية 35 من السورة:" مَثَلُ نوره كمشكاة فيها مصباح ... "، لاحظ مشكاة فيها ... وعندما ينتهي الكلام عن العناصر المادية للمثل نُفاجأ بأنّ الآيات التي تلي تبدأ بقوله تعالى:" في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكرُ فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال ... ". لاحظ:" كمشكاة فيها مصباح ... في بيوت ... فيها ... رجال". وغني عن البيان أنّ دور المرأة في المسجد دون دور الرجل، ودور الرجل في البيت دون دور المرأة.

ثانياً: يختم المثل في الآية 35 من السورة:" نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم". فالكلام إذن عن هداية الله تعالى لمن يشاء من خلقه.

ثالثاً: بعد الانتهاء من هذا المثل المتعلق بأهل الإيمان نجد أنّ الآيات التي تلي تضرب مثلين لأعمال أهل الكفر وينتهي المثال الثاني بالتعقيب الآتي:" ... ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور".

رابعاً: سميت السورة سورة النور، ما يعني أنّ هذه المسألة هي المسالة المركزية في السورة. والملاحظ أنّ سورة النور تركز على المسائل الأسرية والاجتماعية وعلاقة الرجل بالمرأة. وهي مسائل لا يسهل على العقل البشري أن يستقل بمعرفتها، وهي من أهم أسس صلاح المجتمعات البشرية. والمتدبر للسورة الكريمة يدرك أنّ تحقق العلم والعمل بما جاء في السورة يضمن لنا الأساس لهدايةٍ حقيقية للفرد والمجتمع.

انظر إلى المجتمعات الغربية لتعلم أنّ كل التقدم العلمي في المجالات المختلفة لم يغن عنهم شيئا، لأنّ العقل وحده لا يكفي. لذا فهم يفقدون البوصلة، فلا يعلمون هدفاً للحياة ولا معنى لها. ونجدهم يقعون كل يوم في متاهة لا مخرج منها إلى درجة أنّ مرحلة العبثية، عند بعض فلاسفتهم، هي المرحلة التي تأتي بعد مرحلة الحداثة ... ولن يكون خلاص حتى تتكامل عناصر الهداية التي لخّصها المثال في الآية 35 من سورة النور.

ـ[أبو فهد]ــــــــ[03 Jan 2010, 09:56 م]ـ

الاخ الاستاذ نايف الزهراني

شاكر ومقدر لك هذه الفائدة فقد افتدني

الاخ ابو عمرو البيراوي

استفدت من هذا المقال كثير وقرب لي المعنى فأجزل الله لك المثوبة.

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Jan 2010, 10:54 م]ـ

هناك كتابان في تفسير السورة: أحدهما للدكتور ناصر الحميد والآخر للدكتور سليمان اللاحم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015