أتفق مع الدكتور عبد الرحمن في ملاحظته .. وأنا لما قرأت عنوان الموضوع هممت أن أدخل عليه لأضع هذا التعقيب.
أقول وبالله التوفيق،
إن إدخال مفهوم الإعجاز في التشريع فيه نظر. ذلك أن الإقرار بعلم الله تعالى وسعة حكمته أمر مبني على الإيمان به أولا، سبحانه وتعالى، والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم! والحكمة من الشرائع الربانية قد تظهر للناس وقد لا تظهر، واستخراجها محل اجتهاد وظن كما لا يخفى، فكيف يقال إن تشريع الإسلام بتحليل كذا أو بتحريم كذا فيه إعجاز إذ الحكمة - كما نظن نحن اجتهادا - من ذلك التشريع هي كذا وكذا؟
ليس هذا بما يقال له إعجاز على وفق المفهوم الصحيح للإعجاز الذي تقوم به الحجة الرسالية ..
ولعل الأقرب أن يقال إن الإعجاز بتشريع الله تعالى يمكن أن يقع بتحدي الكفار بأن يأتوا فيه بنقيصة أو بمأخذ معتبر عقلا أو بالدليل التجريبي، فهذا وجه صحيح من وجوه التحدي التي يمكن أن يقال إن فيها إعجازا لهم! إذ الخطأ والنقص يدخل في تشريع البشر ولكنه ممتنع على الله تعالى .. ولكن يشكل على هذا التوجيه للإعجاز أن أكثر أحكام الإسلام اجتهادية وقع فيها الخلاف .. والنص مبرأ من سوء فهم الناظر فيه، ومن اختلاف الأفهام عليه .. فإن أردنا الاحتجاج بإعجاز التشريع، فلعله ينبغي أن يُتنبه إلى ضرورة أن يُشترط على من نتحداه بهذا ألا يأتينا بقول واحد في مسألة فيها عدة أقوال، ويقول لقد تبين فيها النقص والضرر بالدليل (مثلا)! فاجتهادات البشر قابلة للإصابة والخطأ، ولكن إجماع الأمة معصوم، فلا يمكن أن يثبت بطلان سائر ما اجتمع للأمة من أقوال في مسألة من المسائل! وهذا وجه للتحدي بالتشريع معتبر كذلك، والله أعلم.
وعليه فكيف يقال إن في زواج النبي عليه السلام من أكثر من امرأة إعجازا، وقد كان تعدد الزوجات هو الأصل في الجاهلية، وكان كل أحد يفعله؟
فإن قيل إن الإعجاز في تشريع حد أقصى لعدد الزوجات، قلنا فأين البرهان الدامغ على أن من تزوج خمسة نسوة - مثلا - يتعرض لضرر أو لشر - مما يقبل القياس الإمبريقي أو الإثبات العقلي النظري - لا يتعرض لمثله من وقف عند حد الأربعة الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ هذا لا يمكن إثباته! ثم إن محمدا عليه السلام كان مجاوزا لهذا الحد الذي شرع لبقية البشر، فما الضابط وما العلة؟ هنا محل اجتهاد يصيب فيه من يصيب ويخطئ من يخطئ، ولا يمكن جعله وجها من وجوه الإعجاز، والله أعلم.
كل هذا على التسليم بأن الإعجاز - بمعنى الإعجاز - يصح أن يوصف به ما لم يرد النص الصريح على تحدي الكفار به! وأنا لا أرى ذلك!
بل الصواب أن يقال إنها من دلائل صدق النبوة، إذ لو لم يكن هذا الشرع من عند رب العالمين حقا، لوجدتم فيه كذا وكذا ..
وهذا التوسع في إطلاق مصطلح الإعجاز في الحقيقة قد ضر الدعوة - في نظري - ضررا بالغا، إذ لما انضاف إلى دائرة ما نصفه نحن بالإعجاز أمور ظنية كثيرة، ونظريات وافتراضات وكذا، وأصبح عشرات من الأبحاث التي تدعي الإعجاز في الكتاب والسنة معرضة لأن تسقط وتنسف بقيام نظريات أخرى واكتشافات أخرى تبطل ما تمسك به أصحابها، أصبح المخاطبون بهذا الإعجاز معرضون للتشكيك والتشنيع علينا ورد مفهوم الإعجاز عندنا بمجمله! وقد رأيت بعض النصارى يقولون إن المسلمين يحسنون لي أعناق القرءان ليدخلوا فيه أي شيء يريدونه، ووالله ما كذبوا، إذ هذا حال كثير من تلك الأبحاث بكل أسف، والله المستعان.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[29 عز وجلec 2009, 06:24 ص]ـ
وهذا التوسع في إطلاق مصطلح الإعجاز في الحقيقة قد ضر الدعوة - في نظري - ضررا بالغا، إذ لما انضاف إلى دائرة ما نصفه نحن بالإعجاز أمور ظنية كثيرة، ونظريات وافتراضات وكذا، وأصبح عشرات من الأبحاث التي تدعي الإعجاز في الكتاب والسنة معرضة لأن تسقط وتنسف بقيام نظريات أخرى واكتشافات أخرى تبطل ما تمسك به أصحابها، أصبح المخاطبون بهذا الإعجاز معرضون للتشكيك والتشنيع علينا ورد مفهوم الإعجاز عندنا بمجمله! وقد رأيت بعض النصارى يقولون إن المسلمين يحسنون لي أعناق القرءان ليدخلوا فيه أي شيء يريدونه، ووالله ما كذبوا، إذ هذا حال كثير من تلك الأبحاث بكل أسف، والله المستعان.
بارك الله فيك
أنا أقول استشهادك بكلام بعض النصارى في غير محله
وأنت تقول: ووالله ما كذبوا. وأنا أقول: والله ما صدقوا.
وأنا أوافقك ليس كل من تكلم في باب الاعجاز أصاب الحقيقة ولكنها اجتهادات كبقية اجتهادات المفسرين فلو جاز أن نرد كلام كل من تكلم في الإعجاز لأن البعض أخطأ فيه فإنه يجوز أن نرد كل التفسير لأن البعض أخطأ فيه.
وأرى أن الأجدى لمن ينتقد القول في الإعجاز أن يكف عن التنظير ويتناول الأبحاث التي يرى أن الصواب جانبها وليبين ذلك الناس وبهذا يقطع الطريق على من يحاول أن يطنع في الإسلام من هذا الجانب ويرد عليه مثل ما يرد على الطاعنين في القرآن من خلال التفسيرات المجانبة للصواب بالتفسير الحق.
والتشريع وجه من وجوه إعجاز القرآن ولا يرد عليه ما ذكرت من اختلاف الاجتهادات فالمتفق عليه كافٍ في ظهور الجانب الإعجازي.
وجوانب الإعجاز في القرآن من دلائل النبوة بل هو أعظمها فالتفريق بين دلائل النبوة والإعجاز غير دقيق من وجهة نظري.
ووجه الإعجاز في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ليس في العدد وإنما هو في الأهداف التي تحققت من وراء هذا التعديد، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تحقيق تلك الأهداف من خلال التعديد بمعزل عن توجيهات الوحي لما تحقق له ذلك لأن ذلك فوق الطاقة البشرية.
¥