أولاً: النصوص التي يصف فيها سيد المجتمعات الإسلامية بالجاهلية والردة، أو ينفي عنها صفة الإسلام.

ثانيا: أقوال تنسب فكرة التكفير إلى كتابات سيد، سواءً أقوال جماعات التكفير التي اتخذت من بعض الألفاظ والنصوص عند سيد متكئاً لها، أو بعض الشخصيات التي نسبت التكفير إلى كتابات سيد.

ويمكن بيان حقيقة الأمرين فيما يلي:

أولاً: أما النصوص التي يستند إليها القائلون بأن سيد قطب يكفر المسلمين بدون ضوابط، فقد تبين لنا من خلال استعراض النصوص السابقة وعددها خمسة عشر نصاً، والوقفات التي تلت كل نص ما يأتي:

1 - أن كلام سيد كان منصباً في أغلبها على وصف واقع المسلمين الأليم المتمثل في الجهل بحقيقة " لا إله إلا الله " وهي حقيقة يجدها كل من قرأ بتجرد، ويؤكد هذه الحقيقة أيضاً كل من عرفه وعاصره ومنهم أخوه محمد قطب حيث يقول: " إن كتابات سيد قطب قد تركزت حول موضوع معين، هو بيان المعنى الحقيقي لـ " لا إله إلا الله " شعوراً منه بأن كثيراً من الناس لا يدركون هذا المعنى على حقيقته، وبيان المواصفات الحقيقية للإيمان كما وردت في الكتاب والسنة، شعوراً منه بأن كثيراً من هذه المواصفات قد أهمل أو غفل عنه الناس، ولكنه مع ذلك حرص حرصاً شديداً على أن يبين أن كلامه هذا ليس مقصوداً به إصدار أحكام على الناس، وإنما المقصود به تعريفهم بما غفلوا عنه من هذه الحقيقة، ليتبينوا لأنفسهم: إن كانوا مستقيمين على طريق الله كما ينبغي، أم أنهم بعيدون عن هذا الطريق، فينبغي عليهم أن يعودوا إليه.

ولقد سمعته بنفسي أكثر من مرة يقول: " نحن دعاة ولسنا قضاة " إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس، ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله، لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي، وهو التحاكم إلى شريعة الله.

كما سمعته أكثر من مرة يقول: " إن الحكم على الناس يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك وهذا أمر ليس في أيدينا، ولذلك فنحن لا نتعرض لقضية الحكم على الناس، فضلاً عن كوننا دعوة ولسنا دولة، دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس، لا إصدار الأحكام عليهم ".

وذكرت زينب الغزالي أيضاً بعد حوارٍ لها مع سيد، استغرابه من فهم البعض لكلامه على أنه تكفير للأفراد بأعيانهم، وأن هذا فهم خاطئ سيوضحه في الجزء الثاني من المعالم، وأن كلامه كان لبيان حقيقة أن المجتمعات ابتعدت عن الإسلام إلى درجة جعلتها تفقد هذه الصفة.

وقد جاء في محاضر التحقيق عن سيد قوله: " وقد قلت له –– إننا لم نكفر الناس، وهذا نقل مشوه، إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة وعدم تصور مدلولها الصحيح والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حالٍ تشبه حال المجتمعات الجاهلية، وإنه من أجل هذا، لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون: إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية، فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس".

2 - في بعض النصوص: كان الحديث عن تكفير من فعل بعض الأعمال الكفرية على سبيل العموم استناداً إلى النص القرآني الذي يتحدث عن الموضوع، كما في حديث سيد عن تكفير مستحل الربا وكذا الحاكم بغير ما أنزل الله، والمحكوم بغير ما أنزل الله إذا كان مريداً راضياً بذلك رافضاً لحكم الله، حيث يجد القارئ في كلام سيد ضوابط عند إطلاقه لفظ الكفر والشرك تبين مراده، كما سبق.

3 - بالنسبة لتكفير أعيان الناس وأفرادهم في المجتمع المسلم، فالظاهر من النصوص السابقة أن سيداً – رحمه الله- قيد ذلك بأمور منها:

أ - بلوغ الحجة للمعين وفهمها: حيث يقول: " فكل من بلغه هذا القرآن من الناس، بلغة يفهمها ويحصل منها محتواه، فقد قامت عليه الحجة به،وبلغه الإنذار، وحق عليه العذاب إن كذب بعد البلاغ ".

ب- إرادة الكفر والرضا به وعدم الإكراه: حيث يقول: " وحين ننظر إلى وجه الأرض اليوم – في ضوء التقريرات الحاسمة – فإننا نرى الجاهلية والشرك – ولا شيء غير الجاهلية والشرك – إلا من عصم الله، فأنكر على الأرباب الأرضية ما تدعيه من خصائص الألوهية، ولم يقبل منها شرعاً ولا حكماً ... إلا في حدود الإكراه ".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015