كان الشهيد رحمه الله شديد الالتزام بمنهج الإخوان، منبهرًا بالإمام الشهيد، رغم أنه لم يلتق به، وكتب فيه مقالة عن عبقرية البناء، وكان شديد الاعتزاز والاحترام لقيادة الإخوان متمثلة في مرشدهم الأستاذ الهضيبى يخاطبه ويذكره دائمًا بالأستاذ الوالد.

وقد استأذنه في توليه قيادة وتربية مجموعة الشباب عام 1965م، وغياب هذه المعلومة عن بعض الإخوان- وقد أكدها فضيلة الأستاذ الهضيبي نفسه وغيره من الثقات من الإخوان- جعلت هذا البعض يظن غير ذلك.

وقبل أن يساق الشهيد لتنفيذ حكم الإعدام فيه- وقد فهم ذلك- طرق باب أحد الزنازين وأبلغ الأخ فيها أن يبلغ الأستاذ الوالد أنه على العهد باق، وأنه يجدد بيعته، وأنه لم يكفر أحدًا، وكان هذا الأخ هو الأستاذ مأمون الهضيبي. (راجع كتاب العبقري العملاق- وشهادة أ. جمعة أمين).

كان يقول لإخوانه داخل السجن: لقد اختط الإمام الشهيد حسن البنا نهرًا واسعًا وطريقًا واضحة للحركة والدعوة الإسلامية، وعلى كل من يأتى بعده أن يصُبَّ في ذلك النهر وأن يدعمه، لا أن يشتق أو يختط له مسارًا آخر. (شهادة أ. طلعت الشناوي- وقد التقى بالشهيد وحاوره داخل السجن).

رؤيته بالنسبة للإصلاح الجزئي

على المستوى الفردي كان رحمه الله يقوم بذلك من حل للمشاكل وإعانة للآخرين في المجتمع بل ويشجع على ذلك.

أما بالنسبة للجماعة فكان يرى ألا تشغل نفسها بتقديم برامج الإصلاح للمجتمع وتفاصيلها في رؤية الإسلام أو ننشغل بالرد على من يسأل عن رأي الإسلام وكيف يحل هذه المشاكل؛ لأنهم من وجهة نظره يسألون ليس للتطبيق وإنما للمجادلة، وحتى لا تُضَيِّع الجماعة وقتها؛ لأن الأولوية عندها في تفهيم الناس وتربيتهم على أصل العقيدة؛ ولأن المجتمع غير جاهز لتطبيق ما سيعرض عليه، وكان هذا الفهم عنده متأثرًا بأن أغلب الجماعة داخل السجن لسنوات طويلة، ولا منفذ لديها بالمجتمع الذي تحاول فيه الدولة إقصاؤهم عنه.

وتعتبر هذه النقطة الفرعية في كلمات الشهيد هي التي اختلف فيها مع منهج الإمام البنا، ولو تغيرت الظروف التي أحاطت به أو راجعه أحد فيها لذهب إلى غير ذلك؛ حيث أن دعوة الإخوان تجمع بين رؤية الإصلاح الكلي الشامل وبين منهجية الإصلاح الجزئي، وأنه رغم أن الحكومة لا تستجيب لمطالب الإصلاح وبرامجه المقدمة من الجماعة؛ إلا أنها ستواصل ذلك توضيحًا للإسلام وإبلاغًا للدعوة وإقامة للحجة وتفاعلاً مع الأحداث والمواقف.

وأما بشأن ترقيع المجتمع الجاهلي بما فيه من أفكار وقيم جاهلية منحرفة عن قيم الإسلام، فهذا كان الشهيد سيد قطب يرفضه بوضوح، وكان يقصد بهذا أن نأتي إلى القيم المنحرفة عن الإسلام فنضيف إليها جزئية من قيم الإسلام، ثم نقبل بها بعد هذا الترقيع كحلٍّ وسط؛ لكي نَلْتَقِي معها في منتصف الطريق، وما ذهب إليه الشهيد بهذا المعنى هو من بديهيات الإسلام.

وما حدث من لبس عند البعض في هذا الشأن كان بخصوص كلمة "المجتمع" وعدم التبيُّن في أنه هل يقصد بها الناس وأحوالهم أم القيم والأفكار والمبادئ؟

ولم يمنع الشهيد الاستفادة الفعلية من شتى العلوم والحكمة من أية جهة؛ ما دامت ستوظَّف لصالح الأمة وتصطبغ بصبغتها الإسلامية وتكون داعمةً لها.

شهادات لبعض العلماء (وهي نماذج كعينة فقط)

1) من أقوال الأستاذ حسن الهضيبي عن الشهيد سيد قطب عندما انضم إلى الإخوان: "إن سيد قطب هو الأمل المرتجى لهذه الدعوة إن شاء الله". (صـ149 كتاب العبقري العملاق).

2) شهادة عبد الله بن جبرين عن حسن البنَّا وسيد قطب (في 26/ 2/1417هـ): "إن سيد قطب وحسن البنَّا من علماء المسلمين ومن أهل الدعوة، وقد نفع الله بهما، وهدى بدعوتهما خلقًا كثيرًا، ولهما جهود لا تنكر؛ ولأجل ذلك شفع الشيخ عبد العزيز بن باز في سيد قطب عندما قُرّر عليه القتل، وتلطف في الشفاعة، فلم يَقْبَلْ شفاعته الرئيس جمال عليه من الله ما يستحقه .. ولما قُتل كلٌّ منهما أطلق على كل واحد أنه شهيد؛ لأنه قُتل ظلمًا. وشهد بذلك الخاص والعام، ونُشر ذلك في الصحف والكتب بدون إنكار، ثم تلقى العلماء كتبهما ونفع الله فيها". (صـ 115 كتاب العبقري العملاق).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015