"صرح الشهيد أكثر من مرة وفي أكثر من موضع أن من رغب في معرفة .. إننا دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم". (صـ 81 العبقري العملاق).

ع) بل إن شقيقه الأستاذ محمد قطب يؤكد أنه سمعه أكثر من مرة يقول: " .. نحن لا نتعرض لقضية الحكم على الناس، فضلاً عن كوننا دعوة ولسنا دولة، دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم". (صـ80 كتاب العبقري العملاق)

ل) أشاعوا عنه أنه يدعو إلى المرحلية في الأخذ بالأحكام الشرعية، وأننا في المرحلة المكية، فنأخذ حكمها الشرعي من حيث وجوب الهجرة وعدم إلزامية الأحكام التي وردت بعد ذلك .. إلخ وهذا لم يذهب إليه الشهيد من قريب أو بعيد، فهو لم يكن يتكلم عن المرحلية في الأحكام الشرعية، وعندما سُئل: هل نحن في المجتمع المكي أم المجتمع المدني؟ أجاب: "نحن في سنة كذا وقد كمل الإسلام ولن ينقص. اهـ.

وأما حديثه عن المرحلية فكان متعلقًا بالحركة الجهادية ووسائل الدعوة. (من شهادة أ. صبرى عرفة أحد قيادات 65)

سلوكه العملي مع المجتمع

قد تواترت عشرات الشهادات من الإخوان الذين عايشوه ومن غيرهم بشأن سلوكه العملي مع المجتمع الذي ادعى البعض أنه يكفره .. كان الشهيد يعيش مع الناس بصدر رحب وسماحة فائقة ومودة وحب يشع من كلماته وقلبه.

في السجن كان هذا أسلوبه، حيث مع ضغوطه وطول سنواته يسقط أي قناع أو تمثيل.

تؤكد الشهادات على أسلوبه مع المساجين الجنائيين وكيف كانوا يلجئون إليه في حل مشاكلهم، حتى إن مأمور السجن الذي كان فيه كان يلجأ إليه في ذلك أو يحيلهم عليه. (شهادة أ. طلعت الشناوي)

وحتى مع سجَّانيه الذين آذوه كان رقيقًا مهذبًا معهم، فهذا يطلب منه المساعدة المالية، وذاك يسأله النصيحة.

وحتى مع الذين اقتادوه لتنفيذ حكم الإعدام لم يؤثر عنه كلمة نابية لأحد منهم، أو معاملة فظة، أو مقاطعة واستعلاء عليهم، بل قابلهم بابتسامة هادئة ونفس مطمئنة.

كان رحمه الله يصلي الصلوات والجمعة في مسجد السجن خلف الشيخ الأزهري المعين من قبل الحكومة، ولا يجد غضاضة في ذلك، وكان الشيخ يدعو للحاكم بالبقاء (شهادة د. محمد بديع– راجع كتاب العبقري العملاق للأستاذ إبراهيم منير).

فكيف يستقيم هذا مع ادعاء أنه يكفر؟

يحكي أحد الإخوان أنه زاره في بيته عام 1964م، فوجد عنده زوج وزوجة، وكانت الزوجة تلبس لباسًا عاديًّا ليس مطابقًا للحجاب، وكان يصلح بينهما ويساعد في حل مشكلتهما حتى لا يحدث طلاق.

وعندما سأله أحد الإخوان عن فتاة يتزوجها لم يقل له لا تتزوج من هذا المجتمع الجاهلي.

وعندما تكلم معه بعض الإخوان عن التوتر الطائفي في صعيد مصر (والشهيد من مواليد إحدى قرى محافظة أسيوط) بين المسلمين والمسيحيين كان رحمه الله رافضًا لهذا التوتر، داعيًا ومؤكدًا لوجوب حسن العلاقة معهم، رافضًا لأي إيذاء لهم. (من شهادة د. محمد بديع).

ولم يقتصر وفاء مشاعر الشهيد ورقتها على صلته بالبشر، بل تعداه إلى علاقته بكل ما حوله حتى الحيوانات، فلقد ألف نزلاء ليمان طره قطًّا أعور تتقزز الأبدان لرؤيته، كان يأوي بالقرب من الأستاذ سيد قطب، يخصص له قسمًا من طعامه، وكان يقول: "ليس من الوفاء أن نجافيه ونضيعه في هَرَمه بعد طول صحبته لنا". (صـ55 العبقري العملاق).

فهذه الشهادات واضحة تمامًا في تأكيد رفضه للانعزال أو الإحساس بالكبر واحتقار الآخرين مهما كان فسادهم.

صموده وثباته على دعوته

ومما تميز به رحمه الله الثبات الشديد على دعوته، والوفاء ببيعته، فقد تعرض لصنوف التعذيب والضغط ومحاولات الاستدراج والإغواء فرفض كل ذلك.

لقد عُرض عليه أكثر من مرة وهو في السجن أن يكتب ورقة اعتذار لجمال عبد الناصر ليتم الإفراج عنه، فرفض ذلك، واستخدموا أخته للضغط عليه بعد صدور حكم الإعدام لكي يفعل ذلك مقابل حياته، فرفض، بل وعند تنفيذ الحكم عُرض عليه ذلك فأبى، واعتبر رحمه الله أن تضحيته بنفسه هذه أصغر وأقل مما يجب عليه تجاه دعوته.

عُرض عليه في عام 1964م بعد الإفراج الصحي- نتيجة وساطة الرئيس العراقي عبد السلام عارف- أن يعمل في العراق مستشارًا لوزارة التربية، فرفض مفضلاً البقاء في مصر حاملاً للدعوة وهو يعرف ما سيناله أو ما سيتعرض له.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015