رابعًا: قال الله جل وعلا: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [39].

ذكر علماؤنا المتقدمون أقوالا عدة في معنى الآية، نقل ابن كثير جملة منها فقال: "وقال ابن مبارك فعن ابن جريج: ضيقًا حرجا بلا إِله إِلا الله. حتى لا تستطيع أن تدخل قلبه كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه. وقال سعيد بن جبير: يجعل صدره ضيقًا حرجًا قال: لا يجد فيه مسلكًا إِلا صعد. وقال السدي: (كأنما يصعد في السماء) من ضيق صدره. وقال عطاء الخراساني: (كأنما يصعد في السماء مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إِلى السماء). وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس: " {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [40] "يقول: "فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإِيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه " [41].

هذه بعض الأقوال في الآية تنتهي إِلى صعوبة - أو استحالة - دخول الإِيمان في النفوس كصعوبة الصعود إِلى السماء. وربما أن بعضهم كان يرى هذا التعبير ضربًا من الخيال، أو تفننًا في المجاز - عند القائلين به - لا تراد حقيقته. بينما هو الآن نبوءة تحققت. وحقيقة تجلت.

وفي الآية من وجوه البلاغة وأسرار البيان ما تنشرح معه النفس في أولها وتنقبض في آخرها تأثرًا بإِيحاء وظلال ألفاظها.

وقد كشف العلم الحديث أن الصعود والارتفاع في الجو لمسافات عالية يسبب ضيقًا في التنفس وشعورًا بالاختناق يزداد بازدياد الارتفاع حتى ينتهي إِلى درجة صعبة جدًّا وحرجة تنتهي به إِلى الموت. وقالوا إِن ذلك عائد لأمور:

منها انخفاض نسبة الأكسجين في الارتفاعات العالية حتى تنعدم نهائيًّا.

وانخفاض الضغط الجوي حيث يؤدي ذلك إِلى معدل نقص مرور الهواء عبر الأسناخ الرئوية إِلى الدم. كما يؤدي إِلى تمدد غازات المعدة والأمعاء فيضغط ذلك على الرئتين ويعيق تمددها، وذلك يؤدي إِلى ضيق وصعوبة التنفس، مع برودة الجو، وانعدام الوزن [42].

هذه بعض الأمثلة تخيرتها قصيرة تجنبًا للكثرة والإِطالة. وقد قدر بعض الباحثين آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن الأنفس والأكوان بما يزيد عن (900) آية [43] منثورة في سور القرآن الكريم.

--- الحواشي ----------------

[1] تأثرًا بالفخر الرازي حيث ينقل عنه.

[2] لما ينقله عن الفخر الرازي. وما يذكره من التفسير الإِشاري ومنزعه علمي قديم.

[3] كتاب يقع في ثلاثة أجزاء بمجلد واحد طبع بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1297 هـ انظر: التفسير: نشأته، تدرجه، تطوره لأمين الخولي ص (52) والتفسير والمفسرون للذهبي 2/ 497.

الأعلام للزركلي 6/ 246، معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 8/ 233.

[4] طبع في سوريا سنة 1300 هـ عن: التفسير، نشأته، تدرجه، تطوره لأمين الخولي ص (52

[5] مطبوعة في القاهرة سنة 1351 هـ.

[6] كان صدرًا أعظم للدولة العثمانية، له بحث في الآيات الكونية في القرآن.

انظر: اتجاهات التفسير في العصر الراهن د. عبد المجيد المحتسب، ص (264)، معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 2/ 173.

[7] رسالة ماجستير في كلية أصول الدين بالرياض.

[8] فتنظر تلك المؤلفات: أو تراجع بعض النقول عن بعضهم في:

1 - التفسير والمفسرون للذهبي 2/ 474 وما بعدها.

2 - اتجاهات التفسير في العصر الراهن د. عبد المجيد المحتسب ص (247) وما بعدها.

3 - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري للدكتور فهد الرومي 2/ 550

4 - التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق د. هند شلبي.

[9] سورة الأنعام / 38

[10] سورة النحل / 89

[11] سورة ق / 6

[12] سورة غافر / 57

[13] سورة آل عمران / 191

[14] التفسير الكبير للفخر الرازي 14/ 121.

[15] سورة فصلت / 53

[16] انظر المنهج الإِيماني للدراسات الكونية في القرآن الكريم د. عبد العليم عبد الرحمن خضر، ص (244) - بتصرف.

[17] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن (5/ 172). وقال عنه: وهذا حديث لا نعرفه إِلا من هذا الوجه، وإِسناده مجهول وفي الحارث مقال

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015