ثم يتأيد هذا المنهج بالفخر الرازي (ت 606 هـ) بما ذكره من استطرادات في تفسيره حتى قيل عنه نقدًا لهذا المسلك: فيه كل شيء إِلا التفسير.

وجاء بعد ذلك بدر الدين الزركشي (ت 794 هـ) فنصره في كتابه البرهان في علوم القرآن بما أورده من نقول وما عقده من فصول، حيث عقد فصلا بعنوان: "في القرآن علم الأولين والآخرين" [4]

ثم جاء الإِمام جلال الدين السيوطي فقرر ذلك وتوسع فيه في كتابه الإِتقان في علوم القرآن، وكتابه الآخر: الإِكليل في استنباط التنزيل. وساق للاستدلال على ذلك بعض الآيات والآثار. ونقل نصًّا عن أبي الفضل المرسي يؤيد به ما ذهب إِليه من احتواء القرآن على سائر العلوم [5]

فنخلص مما سبق إِيجازه بأوجز منه وهو أن منشأ هذا المسلك قديم وأن تحديد البدء عسير غير يسير.

تعريفه:

عرفنا فيما سبق قِدَم جذور وأصول هذا النوع من التفسير، وأنه تحيَّزَ وتميَّزَ في هذا العصر بشكل أكثر وأظهر.

وقد التمس بعض الباحثين تعريفًا لهذا النوع، ومعلوم أن التعريف ينبغي أن يكون جامعًا مانعًا يعرف منه ما يدخل فيه وما يخرج عنه.

وممن التمس لهذا النوع تعريفًا الأستاذ أمين الخولي حيث قال عنه بأنه: "التفسير الذي يحكّم الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها" [6]

وقد نقل هذا التعريف الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون [7]

واختصره آخرون وتأثر به غيرهم. فقد عرفه الشيخ محمد الصباغ بـ "أنه تحكيم مصطلحات العلوم في فهم الآية، والربط بين الآيات الكريمة ومكتشفات العلوم التجريبية والفلكية والفلسفية" [8]

والتعريف لهذا النوع من التفسير يتأثر بموقف المعرف له منه تأييدًا أو تفنيدًا. فالخولي والذهبي من المنكرين لهذا النوع فكان هذا التعريف متأثرًا بهذا الموقف.

ومن هنا تتوجه له بعض الانتقادات منها: قصوره، وقسوة لفظه (التحكّم) في التعريف. كأن كل تفسير علمي كذلك، مع ما توحي به من أن الآية المراد تفسيرها لها معنى آخر غير العلمي المراد منها أن تدل عليه [9]

وعرفه الدارس عبد الله الأهدل في رسالته: التفسير العلمي دراسة وتقويم - بعد انتقاده للتعريف السابق - بأنه: (تفسير الآيات الكونية الواردة في القرآن على ضوء معطيات العلم الحديث بغض النظر عن صوابه وخطئه" ليشمل التفسير الصحيح والتفسير الخاطئ ") [10].

وقوله: " بغض النظر عن صوابه وخطئه " لا ينبغي أن تكون من التعريف؛ لأن عموم ما قبلها يشملها.

وقد عرض الدكتور فهد الرومي لهذه التعاريف وتعرض لها بالنقد في كتابه: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري: وخرج بتعريف آخر فقال: "والذي يظهر لي - والله أعلم - أن التعريف الأقرب إِلى أن يكون جامعًا مانعًا أن يقال: المراد بالتفسير العلمي: هو اجتهاد المفسر في كشف الصلة بين آيات القرآن الكريم الكونية ومكتشفات العلم التجريبي على وجه يظهر به إِعجاز للقرآن يدل على مصدره وصلاحيته لكل زمان ومكان".

- ثم شرح عبارات تعريفه بقوله:

(ولا شك أن وصفه بـ " اجتهاد المفسر" يدخل في التفسير العلمي المقبول والمرفوض؛ لأن المجتهد قد يخطئ وقد يصيب. وقولنا " الربط " ليشمل ما هو تفسير وما هو من قبيله كالاستئناس بالآية في قضية من قضاياه ونحو ذلك ..

وقولنا " العلم التجريبي " يخرج بقية العلوم الكلامية والفلسفية ونحوها، وقولنا " على وجه " لبيان ثمرته. وقولنا " يدل على مصدره " نقصد به أنه إِذا ما ثبت هذا التوافق بين نصوص القرآن الكريم وحقائق العلوم ولم يقع أي تعارض بين نص قرآني وحقيقة علمية مهما كانت جدتها وحداثتها، فإِنه لا يمكن أن يقول مثل هذه النصوص بشر قبل اكتشافها بقرون، ولا بد من أن يكون المتكلم بها هو موجد هذه الحقائق ومكونها وهو الله سبحانه وتعالى. وقولنا " وصلاحيته لكل زمان ومكان " نقصد به أنه صالح لكل عصر لا تأتي عليه الأيام ولا الحدثان بما يبطل شيئًا منه فهو صالح لكل عصر وأوان.

هذا ما ظهر لي الآن من المعنى المراد به. (والله أعلم).أ. هـ[11]

ولا يخلو هذا التعريف الذي ذكره الدكتور الفاضل فهد الرومي من وجهة نظر ففيه طول، وفي وصف الآيات القرآنية بالكونية تضييق لمجاله. كما أن لفظة " الربط " الواردة في شرح التعريف لم ترد في عبارات التعريف نفسه ولعل المراد لفظة " الصلة".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015