(قراءة في منهج رشيد رضا في تفسير المنار وموقف النقاد منه) لحازم محي الدين

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 Nov 2009, 12:40 م]ـ

(قراءة في منهج رشيد رضا في تفسير المنار وموقف النقاد منه) للكاتب الفلسطيني د. حازم محي الدين

بعد أن استقرَّ المقام برشيد رضا في القاهرة (عام 1898م)، وانتهى من إقناع شيخه محمد عبده بضرورة تأسيس مجلة "المنار"، عقد العزم على إقناع أستاذه أن يكتب تفسيراً كاملاً للقرآن الكريم، يعكس منهجه في الإصلاح والتجديد، لكن الشيخ عبده رفض هذا الاقتراح قائلاً: "إن القرآن لا يحتاج إلى تفسير كامل من كل وجه، فله تفاسير كثيرة أتقن بعضها ما لم يتقنها بعض، ولكن الحاجة شديدة إلى تفسير بعض الآيات، ولعل العمر لا يتسع لتفسير كامل" (تفسير المنار، 1/ 12).

ثم اقترح عليه أن يكتب تفسيراً يقتصر فيه على حاجة العصر، ويترك كل ما هو موجود في كتب التفسير السابقة، ويبين ما أهملوه فيها، غير أنَّ محمد عبده رفض هذا الاقتراح أيضاً محتجاً أنَّ "الكتب لا تفيد القلوب العُمي ... ، إذا وصل لأيدي هؤلاء العلماء كتابٌ فيه غير ما يعلمون، لا يعقلون المراد منه، وإذا عقلوا منه شيئاً يردونه، ولا يقبلونه، وإذا قبلوه حرَّفوه إلى ما يوافق علمهم ومشربهم، كما جروا عليه في نصوص الكتاب والسنة التي نريد بيان معناها الصحيح، وما تفيده" (تفسير المنار، 1/ 13). ثم ذكر له محمد عبده أنه قد سبقت له محاولات في تدريس التفسير، بسبب إيمانه بقدرة الكلام المسموع على التأثير في النفوس أكثر من الكلام المقروء إلا أن هذه المحاولات لم يهتم بها أحد، مع أنها كان من حقها أن تدوَّن، وتُكتب، لذلك فهو لا يفضل تكرار هذه المحاولات الفاشلة. وهنا ردَّ عليه رشيد رضا بقوله: "إن الزمان لا يخلو ممنْ يقدِّر كلام الإصلاح قدره، وإن كانوا قليلين، وسيزيد عددهم يوماً فيوما، فالكتابة تكون مرشداً لهم في سيرهم. وإنَّ الكلام الحق، وإنْ قلَّ الآخذ به، والعارف بشأنه لا بدَّ أن يُحفظ، وينمو بمصادفة المباءة المناسبة له" [1]. هكذا استمر الحوار بينهما حتى انتهى باقتناع عبده بوجهة نظر رضا، وبدأ بالفعل بإلقاء دروس في التفسير في الأزهر ابتداءً من شهر محرم سنة (1317هـ/ 1899م)، وانتهى منه في منتصف محرم سنة (1323هـ/ 1905م) قُبَيل وفاة عبده، مبتدئاً من بداية القرآن الكريم، منتهياً عند تفسير قوله تعالى {وكان الله بكلِّ شيءٍ محيطاً} من الآية 125 من سورة النساء.

كان منهج محمد عبده في التفسير "أن يتوسع فيما أغفله، أو قصَّر فيه المفسرون، ويختصر فيما برزوا فيه من مباحث الألفاظ، والإعراب، ونُكت البلاغة، وفي الروايات التي لا تدل عليها ولا تتوقف على فهمها الآيات، ويتوكأ في ذلك على عبارة تفسير الجلالين الذي هو أوجز التفاسير، فكان يقرأ عبارته فيقرها، أو ينتقد منها ما يراه منتَقداً، ثم يتكلم في الآية أو الآيات المنزلة في معنى واحد بما فتح الله عليه مما فيه هداية وعبرة" (تفسير المنار، 1/ 15) وكان رشيد رضا في أثناء دروس محمد عبده يدوّن أهم ما يسمعه منه في مذكرات خاصة، ثم بدأ ينشر ما جمعه فيها ابتداءً من أول محرم سنة (1318هـ / 1900م)، وذلك في المجلد الثالث من مجلة "المنار". ولم يكتف رضا في أثناء حياة شيخه بالنقل عنه، وتدوين أفكاره وآرائه فقط بل كان يضيف إلى كل ذلك زيادات كثيرة، وكان يميز في معظم الأحيان، أقواله عن أقوال محمد عبده، بقوله: "وأقول"، "وأنا أقول"، "وأزيد الآن" (تفسير المنار، 1/ 15).

وبعد وفاة محمد عبده سنة (1323هـ / 1905م) استقلَّ رشيد رضا بكتابة التفسير، وكان ينوي القيام بتفسيرٍ كامل للقرآن الكريم، ويظهر هذا جلياً من كلامه في نهاية معظم مجلدات تفسيره الاثني عشر، وذلك عندما كان يطلب من الله عزَّ وجلَّ أن يعينه على إتمام هذا التفسير، لكن قضاء الله تعالى حال دون تنفيذ ما كان ينوي ويضمر إذ توفاه الله تعالى بعد فراغه من تفسير قوله تعالى من سورة يوسف: {ربِّ قد آتَيتَني من المُلك وعلَّمتني من تأويلِ الأحاديثِ فاطِرَ السمواتِ والأرضِ أنتَ وليِّ في الدُّنيا والآخرةِ توفَّني مُسلِماً وأَلحِقني بالصالحينَ} (يوسف: 101).

منهج رشيد رضا في تفسير المنار:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015