(استخدام علم الدلالة في فهم القرآن: قراءة في تجربة الياباني توشيهيكو) لعبدالرحمن حللي

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Oct 2009, 08:34 ص]ـ

أهداني الصديق العزيز الدكتور عبدالرحمن الحاج الأستاذ بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا كتاب (بين الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم) للباحث الياباني توشيهيكو ايزوتسو، المتوفى عام 1413هـ عن عمر قارب الثمانين عاماً. وهو باحث ياباني مستعرب له ترجمة لمعاني القرآن للغة اليابانية، وله بحوث موضوعية جيدة حول القرآن الكريم جديرة بالتأمل والقراءة من المتخصصين في الدراسات القرآنية. وله معرفة مذهلة بالشعر الجاهلي ومعانيه ومفرداته الغريبة، لا تكاد توجد عند كثير من الباحثين العرب، وهو يعتمد على فهمه له في دراسته للقرآن.

http://www.tafsir.net/vb/imagehosting/64aea79fbacbb5.jpg

وقد أكملتُ قراءة الكتاب في أوقات متعددة، وحرصتُ على عرض هذا الكتاب المليئ بالنظرات العلمية المفيدة لدارسي القرآن الكريم في جانبه اللغوي الدلالي خصوصاً من باحث منصف ذي ثقافة مختلفة، وقد نقل تلامذته أنه مات مسلماً. غير أن كثرة الأشغال حالت دون إتمام هذا العرض. حتى عثرت اليوم على بحث قيم للدكتور عبدالرحمن حللي وفقه الله حول هذا الكتاب، فيه تعريف وافٍ بالكتاب ومؤلفه، واستنتاجات وتوصيات للباحثين بضرورة الإفادة من منهجية الباحث الياباني في تعميق الدراسات القرآنية ذات الجانب الدلالي وما يمكن أن تضيفه في حقل البحث العلمي. فأحببت نقله لكم ليكون باباً للإفادة من هذا الكتاب، والتعرف على مؤلفه وسيرته العلمية.

وهذا هو نص البحث

استخدام علم الدلالة في فهم القرآن: قراءة في تجربة الباحث الياباني توشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu(*)

تمهيد:

لقد أنزل الله القرآن ليكون هداية للناس، فقال تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" (الإسراء:9)، ويحمل رسالة الله الخاتمة إلى العالمين، "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ" (الأنعام:19)، فجعله الله كتاباً مصدقاً ومهيمناً "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" (المائدة:48)، وجعله الله كتاباً مبيناً وعربياً، "الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ - إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف:1 - 2)، لكنه رغم وضوحه وجلاء الرسالة التي يحملها يكتنف من المعاني ما لا ينقضي ومن الدلائل ما لا ينفد مهما طال البحث عنها، فهو كتاب إلهي يخاطب العالمين، وهو كما وصف كتاب لا يخلق على كثرة الرد، ولا يحيط بكلماته زمان أو مكان، "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا" (الكهف:109)، هذه الخصائص لكتاب الله عز وجل تجعل المسؤولية نحوه أكبر وأعمق من أن يتم اختزال العلاقة معه على أنه نص للتعبد فقط، ففيه نظام وإحكام لم يكتشف منه المفسرون والدارسون له إلا القليل، وسيبقى الزمن أهم مفسر للقرآن بما يستجد فيه من علوم ومعارف يمكن أن تسهم في اكتناه معانيه، وقد أدرك المتقدمون ما للعلوم على اختلافها من أثر في فهم القرآن سواء بالفهم المباشر له كعلوم القرآن أو غير المباشر كالعلوم التي تنمي ثقافة المفسر التي تؤثر بدورها في تفسيره، حتى وصل الأمر بالإمام ابن عطية الأندلسي إلى القول: "كتاب الله لا يتفسر إلا بتصريف جميع العلوم فيه" [1]، ولعل أهم العلوم ذات الأثر في فهم كتاب الله هي علوم اللغة، والتي شهدت تطوراً في التقعيد والتصنيف والتحليل، وقد اعتنى المسلمون مبكراً باللغة العربية، وكان الدافع الرئيس لذلك يرتبط بفهم كتاب الله عز وجل.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015