(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) ثمود: قبيلة قوية، من العرب البائدة، كانت تسكن وادي القرى، أو منطقة الحِجر، الواقعة بين مكة، والشام، والمعروفة، حاليًا، بمدائن صالح.

(بطغواها) أي: بتجاوزها الحد. فالباء سببية، يعني: هذا هو سبب تكذيبيها. والطغيان هو تجاوز الحد، كما قال الله تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ)

وقد أتاهم قوة، ومكنهم أن ينحتوا من الجبال بيوتاً، وأن يتخذوا من سهولها قصورًا، فبلغ بهم الطغيان أن كذبوا نبيهم صالح، وزادوا على ذلك بما وصف الله:

(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) (انبعث) يعني خرج بسرعة، أو انتدب. وأشقى ثمود، هو (قِدار بن سالف) بضم القاف. وكان من قصة ثمود، أنهم طالبوا نبيهم صالح (عليه السلام) بآية. وقد جرت سنة الله أن الآيات المقترحة تكون شؤمًا على أصحابها. فقالوا: أخرج لنا من هذه الصخرة الصماء، ناقة عشراء،فنؤمن! فأقام عليهم الحجة، وأخرج لهم من صخرة صماء، ناقة عشراء. يعني: قد بلغت شهرها الأخير، فهي على وشك الولادة. فابتلاهم الله بأن جعل (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) يعني: يوماً ترد، فتشرب كل الماء الذي تشربه القبيلة، ويشربون في اليوم الثاني. فضاقوا بذلك ذرعاً.

(فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ) أي: صالح

(نَاقةَ اللَّهِ) يعني: احذروا المساس بها، وذروها تأكل في أرض الله.

(وسقياها) أي: لا تتعرضوا لشربها في اليوم الذي لها، ولا تنازعوها فيه.

وناقة الله: من باب إضافة المخلوق إلى خالقه. وهي إضافة تشريف، لأن هذه الناقة آية، وليست كسائر النوق.

(فَكَذَّبُوهُ) ردوا كلام نبيهم، ولا خافوا مما حذرهم منه.

(فَعَقَرُوهَا) قيل إن العقر: هو ضرب قوائم الدابة، وتحديداً، الوتَر الذي يكون خلف العقب، أو الخف، فإنه إذا قطع لم تتمكن الدابة من السير، فتقع، ولا تستطيع المشي، فتهلك. وقيل: ضرب قوائمها، ثم قتلها بعد ذلك. المهم أن ذلك آل إلى هلاكها.

وقد عبر بالجمع (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) مع أن المنبعث، الذي باشر ذلك واحد، لأنهم راضون، والراضي كالفاعل. ولذلك أخذوا جميعاً بهذه الجريمة. ولهذا قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في رجل قتل في صنعاء: لو أن أهل صنعاء جميعًا تمالئوا على قتله، لقتلتهم به. فالراضي كالفاعل، والمشارك يدخل في القوَد.

(فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) أي: أطبق عليهم بعذابه.

(بِذَنْبِهِمْ) الباء في قوله بذنبهم للسببية، يعني: بسبب ذنبهم.

والعذاب الذي أطبق عليهم، صيحة، ورجفة، عياذاً بالله! صيحة قطعت نياط قلوبهم في صدورهم، ورجفة زلزلت أرضهم، فهلكوا جميعًا. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

(فَسَوَّاهَا) يعني: أنهم استووا في العقوبة، فلم يفلت أحد، لأن القوم كانوا راضين بفعل أشقاهم، موافقين، فلذلك اشتركوا جميعا في العقوبة.

(وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) أي أن الله تعالى، لا يخاف تبعتها. وذلك أن غير الله - تعالى -إذا عاقب أحدًا، يتوجس خيفة أن هذا الذي وقع عليه عقوبة، هو، أو جماعته، ربما ينتقمون منه، فيخاف العاقبة. أما الرب سبحانه وبحمده - تعالى - و- عز وجل - فلا يخاف عقباها، لأنه القوي، العزيز، القادر.

الفوائد المستنبطة من الآيات السابقة

الفائدة الأولى: شؤم عاقبة الطغيان.

الفائدة الثانية: تفاوت الكفار في كفرهم وشقاوتهم، لقوله: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) فكما أن المؤمنين يتفاوتون في، فالكفار أيضا يتفاوتون في شقاوتهم.

الفائدة الثالثة: أن التذكير موعظة، وإقامة حجة، وإبراء ذمة.

الفائدة الرابعة: أن الراضي كالفاعل.

الفائدة الخامسة: شدة أخذ الله للظالمين.

الفائدة السادسة: كمال قدرة الله سبحانه وسلطانه.

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[03 Nov 2010, 01:08 ص]ـ

التفسير العقدي لسورة الليل

بقلم د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015