ـ[محبة القرآن]ــــــــ[20 صلى الله عليه وسلمug 2010, 04:47 ص]ـ

التفسير العقدي لجزء عم

سورة الفجر [3]

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30))

(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا): هذا انتقال في الأسلوب، ينقل القلب والعقل إلى ميدان آخر، وإلى موضوع جديد. ومعنى (دكت) أي: زلزلت، وحطمت، ودقت. فالدك: يحمل هذه المعاني، الحركة المضطربة المزلزلة، ثم التحطيم، فلا يبقى شيء على شيء، ثم الدق، والتفتيت.

(دَكًّا دَكًّا): هذا للتأكيد، فإنه بليغ في إثبات المراد. وذلك يوم القيامة.

(وَجَاءَ رَبُّكَ) إلجائي هو الله.

(وَالْمَلَكُ) أي: وجاء الملك. الملك: جمع ملاك، مأخوذ من الألوكة، أي: الرسالة، وذلك لأن الله - تعالى – يرسلهم.

(صَفًّا صَفًّا) أي: مصطفين صفوفاً، إثر صفوف. وهذا من أعظم مشاهد القيامة؛

حينما تنشق السماء الأولى، فيهبط ملائكتها، ويحيطون بأهل الأرض إحاطة السوار بالمعصم، ثم السماء الثانية، فيحيطون بمن قبلهم، فالثالثة، فالرابعة، حتى السابعة. ثم بعد ذلك ينزل الرب - سبحانه وبحمده - لفصل القضاء بين العباد. وهذا هو المجيء المذكور في هذه الآية. وهو مجيء حقيقي يليق بجلاله وعظمته – سبحانه – نثبته، ولا ننكره، ولا نعطله، ولا نؤوله بأنواع التحريفات، بل نثبته إثباتاً حقيقياً على ما يليق بجلال ربنا. ولا يجوز تفسير المجيء بأنه مجيء أمره. فكيف يقال أن قوله (وَجَاءَ رَبُّكَ) ليس على ظاهره، بل هو مجيء أمره، ومجيء الملائكة على ظاهره، وهما في آية واحدة؟!! هذا من العدوان على النصوص، ومن التحكم بلا دليل. بل هو مجيء حقيقي للرب، ومجيء حقيقي للملك. فمجيء الملائكة يليق بهم كمخلوقين، ومجيء الرب يليق به لكونه الخالق.

وهذه الآية، وسائر آيات الصفات، يجب أن نصدق بخبر الله، ونجريه على ظاهره اللائق به – سبحانه - ونعتقد أن ذلك لا يستلزم تشبيهًا، ولا شيئاً من اللوازم الفاسدة، التي ظنها بالله أهل التمثيل، وأهل التعطيل. وهو سبحانه أصدق قيلاً، وأحسن حديثًا من خلقه، وأعلم بنفسه، وبخلقه. والتحريف في هذه المقامات الخطيرة، افتيات على الله، عز وجل، وطعن في بيان القرآن. ولو شاء الله - تعالى - لعبر بما ادعوه، ولم يدع الأمر ملتبساً كما ظنوه، لكنه أراد حقاً، وصدقًا مدلول كلامه.

فنعتقد أنه يجيء - سبحانه وبحمده - يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وأن المجيء، كما النزول، كما الاستواء، من صفاته الفعلية، المتعلقة بمشيئته وحكمته، يفعلها متى شاء، كيف شاء، إذا شاء، وأن فعله لها لا يتضمن نقصاً بحال.

وأما دعوى النفاة بأن هذا يلزم منه حلول الحوادث بالرب، فدعوى مردودة؛ لأن جنس الفعل صفة ذاتية لله، لأنه (فعال لما يريد)، لم يزل، ولا يزال فعالاً، وأما صوره، وأفراده، وآحاده، فتتنوع كما يقدر – سبحانه - ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) هكذا بصيغة الفعل الذي لم يسمى فاعله، وذلك أن جهنم خلق لا يأتي بنفسه، بل يجيء بها ملائكة الرحمن. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (يؤتى بالنار يوم القيامة، لها سبعون ألف زمام، على كل زمام سبعون ألف ملك) [رواه مسلم]. وهذا مشهد رهيب، مشهد جر النار جرًا، مع هول حجمها، وبعد قعرها، قد أضرمت آلاف السنين، فهي سوداء مظلمة.

(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ): الإنسان الكافر الذي كان مكذبًا بالمعاد، راداً خبر الله، وخبر رسوله.

(أنى): كلمة استبعاد، وتيئيس. لأنه لا ينتفع من ذكراه ولهذا قال تعالى: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) ففي ذلك الوقت لا تنفع الذكرى. والاستفهام هنا للنفي.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015