الفائدة الثالثة: شدة عداوة الكافرين للمؤمنين، وغلظتهم عليهم، كما قال ربنا عز وجل: (لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة) وهذه سمة باقية إلى يوم القيامة.

الفائدة الرابعة: نفرة الكافرين من تميز المؤمنين عليهم، ومفارقتهم إياهم بالإيمان. ويتفرع عن هذه الفائدة: نفرة العصاة من أهل الطاعة، ونفرة المبتدعة من أهل السنة. فكل صاحب حق، فارق صاحب باطل، فإن صاحب الباطل يجد في نفسه من التغيظ عليه، والنفرة منه، ما يحمله على أذيته. تجد الإنسان يكون بين طائفة من الغافلين، ثم يلقي الله تعالى في قلبه الإيمان، ويستقيم على الدين، فيتعرض للأذى الحسي، والأذى المعنوي, فينبزونه بالألقاب، ويؤذونه؛ لأنهم يرون أنه تميز عليهم، وارتقى عتبة، ودرجة في السلم، وهم بعد لا يزالون في الحضيض. كذلك المبتدعة مع أهل السنة، حينما يدع الإنسان البدعة، ويلزم السنة، ويقول: لا أعبد الله إلا بما شرع على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ينبزونه بالألقاب السيئة، يريدون أن يردوه إلى حاله. فلهؤلاء سهم، وكفل، من هذه الصفة, فبين أصحاب الأخدود، وبين المبتدعة والفساق، قدر مشترك في هذا الأمر، لمن تأمل وقد نبه على هذا المعنى اللطيف، ابن القيم، رحمه الله.

الفائدة الخامسة: عميق إيمان المؤمنين, وارتباطه بدلائل الربوبية. ولهذا احرص يارعاك الله، أن تجعل إيمانك مربوطاً بأشياء ثابتة, لا يكون إيمانك إيماناً سطحياً، عاطفياً، يتعلق بحالة آنية، بحادثة معينة. اجعل إيمانك مرتبطاً بالثوابت الكونية، بأن الله خالق الأرض والسماء، وتأمل ماقال أصحاب الكهف: (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) , فارفع رأسك إلى السماء! وانظر إلى الأرض. فليكن تشبثك بدلائل الربوبية الثابتة قوياً., ولهذا ينتكس بعض من يوصف بأنه استقام، والتزم، وصلح، لأنه استقام استقامة ظاهرية، وتأثر تأثراً آنياً، إثر موقف عاطفي، أو هيجان طارئ، ثم لما زال المؤثر زال الأثر.

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[13 Feb 2010, 05:16 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير العقدي لجزء (عم)

سورة البروج

(المقطع الأخير)

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)) (فتنوا): أي عذبوا، وتحديداً: حرقوهم في النار. وهذا موافق لأصل كلمة الفتن في اللغة؛ لأن الفتن في اللغة: إدخال الصائغ الذهب في أتون النار، لينفصل المعدن النقي، من الخبث العالق به. والحقيقة أن الفتنة كذلك! فالله تعالى يبتلى عباده، لكي يميز الخبيث من الطيب. وحتى تتخلص نفس الطيب من الشوائب، والأخلاق الرديئة. فإن للابتلاء فائدةً، وأثراً، وحكمة. قال تعالى: (الم, أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ, وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).

وفي قوله: (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) دلالة على أن هذا جرى للرجال، والنساء، رحمهم الله جميعاً. وتأمل الاحتراز في قوله: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا)! يعني أنهم لو تابوا، لقبل الله توبتهم، بعد ما فعلوا ما فعلوا, وهذا يدلك على عظيم حلم الله عز وجل، وواسع فضله، وأن من أذنب ذنباً، أياً بلغ ذلك الذنب، شناعة، وبشاعة، ثم تاب منه، تاب الله عليه، كما قال في الآية الأخرى: (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)! فهذا عجيب جداً من الرب سبحانه وتعالى! كيف وسع حلمه أن يتوب على هؤلاء لو تابوا!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015