ـ[محبة القرآن]ــــــــ[01 عز وجلec 2009, 02:16 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير العقدي لجزء عم

سورة المطففين (المقطع الثالث)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)

(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ): (الأبرار) قد تقدم معناها.

(وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ): الاستفهام للتفخيم، والتكريم. و (عليون): موضع في السماء السابعة. وقد ورد في بعض الآثار أنها قائمة العرش اليمنى, وقيل: موضع عند سدرة المنتهى, وهذه المعاني جميعاً تدل على العلو والرفعة.

(كِتَابٌ مَرْقُومٌ. يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ): أي مختوم لا يزاد فيه ولا ينقص, وليس تعريفاً لعليين. ومعنى (يشهده): يحضره, (المقربون) مقربو كل سماء من الملائكة.

(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ): كلمة (في) تدل على الانغماس التام في النعيم, والنعيم هو الجنة، وما فيها من المباهج، والسرور، والنعيم الحسي والمعنوي.

(عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ): متكئون على الأرائك التي تحملهم وتقلهم. والأرائك: جمع أريكة، وهي السرير. ويقول المفسرون: هي السرر في الحجال. والحجلة: المكان المزين، المزوق، المهيأ. فهي أريكة في إطار جميل، وفي موضع مزخرف، مزين. ولا شك أن هذا يعطي انطباعاً نفسياً طيباً، ومحبباً للنفس. (ينظرون) إلى ما آتاهم الله، عز وجل، من أنواع النعيم؛ من الحور العين، والأشجار، والأنهار، إلا أن أعلى ذلك النعيم هو النظر إلى وجه الله الكريم, كما قال الله تعالى في سورة القيامة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فنظرتها إلى وجه الله الكريم، أكسبها نضرةً، وبهاءً، وجمالاً, يقول ابن القيم:

فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة .. أمن بعدها يسلو المحب المتيم

(تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ): إن كان التنعم يعرف في الوجوه في الدنيا، فلأن يعرف في الآخرة من باب أولى, ترى بعض المترفين فتقول: هذا وجهه وجه نعمة, وقد ترى بعض البائسين وجهه كالخشبة! يبين هذا في القسمات، وهم في الدنيا على نعيمها المحدود، فكيف في الآخرة، حينما يجري في عروقهم النعيم الحقيقي، الذي ينعم الله تعالى به أوليائه. ومعنى (نضرة النعيم) أي بهاؤه، ورونقه وإشراقه.

(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ): لا يتكلفون هم جلبه، وإنما يسقون، فهم مكفيون. والمقصود بالرحيق: أي الخمر الخالص من الدنس, ليس كخمر الدنيا، ينشأ عنها صداع، وتقيأ، ونحو ذلك, بل كما قال الله عز وجل (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ) فهي خمر خالصة (خمر لذة للشاربين). ومعنى (مختوم) أي لم يفك ختمه، وهذا أحب للنفس, فرق بين أن تشرب من إناء قد سبقت إليه، وبين أن تكون أنت أول الشاربين.

(خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ): هذا القرن بين الآيتين يعطينا معنىً عجيباً؛ أنه رحيق مختوم، وختامه مسك، فهذا المسك قد خالطه عند ختمه، ويجده شاربه عند آخر شربة منه ,فالمسك يستنشقه من أول ما يفك ذلك الختم، إلى حين أن يأتي على آخر قطرة فيه؛ فالختم بالمسك صاحب أولَه وآخرَه. والمسك معروف. وهذه الألفاظ، والأسماء، وضعت للدلالة على النعيم، وإلا فليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء, كما قال ابن عباس، رضي الله عنهما. الأسماء واحدة، لكن الحقائق تختلف؛ في الجنة ماء، وخمر، ولبن، وفيها حور، وقصور، وفيها من جميع أنواع المتع، وهذه الأسماء معهودة لنا في الدنيا، ومحببة إلينا, لكنها في الآخرة على صفة لا تخطر على بال, كما روى البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015