ـ[محبة القرآن]ــــــــ[20 Oct 2009, 01:02 ص]ـ
التفسير العقدي لجزء عم
مقدمة
/* بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي */
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى بعث نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله, فالهدى: هو العلم النافع. ودين الحق: هو العمل الصالح. وقد ضمّن الله تعالى ما أنزل على نبيّه من البينات، هذين الأمرين, فاحتوى كتاب الله عز وجل على كل ما يحتاجه الناس في أمر معاشهم، ومعادهم؛ من العقائد، والشرائع، والأخلاق، والآداب, فكان فيه غنية وكفاية.
وقد جعل الله تعالى كتابه آية خالدة، ومعجزة باهرة إلى يوم القيامة. وفي الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ, وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ, فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (1) , فهذا القرآن العظيم فيه الخير، والبركة، والصلاح، والفلاح، والنجاح، لهذه الأمة، ولجميع العالمين، إلى يوم القيامة.
وقد امتن الله تعالى على عباده المؤمنين بإنزال هذا الكتاب, وامتن على نبيّه بذلك وشرفه به فقال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان/1] , وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر/23] , وأقسم الله تعالى به في غير ما موضع، في كتابه؛ تعظيماً لشأنه، وتفخيماً له, ولم ينزل الله تعالى كتابه لأجل أن يُترنم بذكره، ويُتغنى به، فحسب, وإن كان هذا مراداً مقصوداً, ولكن أنزله عز وجل لما هو أعظم من ذلك؛ لتدبره وتعقله, قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف/2] , وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف/2] , وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص/29] , وقال عز وجل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام/92]
ففي القرآن العظيم بركة في تلاوته؛ لما يحدثه في نفس تاليه من السكينة والطمأنينة؛ لأنه أعظم ذكر لله, وقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد/28]
وكم من إنسان قلق، متوتر، فتح دفتي المِصْحَف، ورطّب لسانه بتلاوة آي الكتاب, فانقشعت عنه سحائب من الهموم، والغموم, وانجلت عن ناظريه الغشاوة، وعن أذنيه الوقَرْ، وعن قلبه الأكنة. وهو مبارك أيضاً فيما تضمّنه من العلوم النافعة, وأعظم ما فيه من العلوم: العلم بالله عز وجل. فلا سبيل لنا إلى العلم بالله تعالى، إلا فيما أودعه في كتابه, فقد تضمّن من أسماء الله الحسنى، وصفاته العُلى، الشيء الكثير، مما لا يخفى, فيحصل للقلب من تدبر هذه المعاني الجليلة في أسماء الله وصفاته، وأفعاله, ما يقع به تعظيم الرب وخشيته ومحبته ورجائه وسائر ما يتنعم به القلب من العبادات القلبية الباطنة.
¥