3. نحن نعرف أن أمورا وظواهر كثيرة في رسم المصحف نظنها خاصة برسم المصحف، هي في الحقيقة من صلب خصائص الكتابة العربية قبل الإسلام بل الكتابات السامية عموما، فالاختزال هو طبيعة هذه الكتابات السامية بما فيه الكتابة العربية والكتابة العبرية وغيرهما، أقصد اختزال كثير من المصوتات (الألف والياء والواو، والمصوتات الصغيرة = الحركات)، فهذا ليس خاصا بالمصحف، ومن هنا فحذف قدر كبير من الألفات ـ مثلا ـ في رسم المصحف، يعود في الحقيقة إلى الطبيعة الأصلية للكتابة العربية. وحتى الحروف الزائدة والناقصة في الرسم يمكن العثور على حالات مماثلة لها في الكتابات العربية القليلة الباقية السابقة للإسلام. ويمكن العثور على تلك الأساليب الخاصة في الكتابة، في الكتابات الإسلامية المبكرة التي نجدها في بعض النقوش والبرديات والرقوق، فهل هذا يعني أن تلك الكتابات العادية رسمها توقيفي وفيها أيضا إعجاز عددي؟!
إذن، فهذه الظواهر الغريبة في رسم المصحف ومخالفاته للرسم الإملائي ليست ـ في الحقيقة ـ خاصة برسم المصحف، بل هي جزء من تقليد متبع في الكتابة العربية في تلك المرحلة. وكانت هذه الأساليب الخاصة مما يعرفه هؤلاء الصحابة الكَتَبة ولم يكونوا بحاجة إلى إرشاد إليها.
هل تقول لي ـ يا أبا عمرو! ـ إن لفظة (رحمن) رُسِمت بحذف الألف بناء على توجيه إلهي لحكمة معينة، مع أنها هكذا كانت ترسم في العبرية والسريانية والعربية الجنوبية بحذف الألف، قبل الإسلام؟
هل أنت بحاجة إلى تذكيرك بأن لفظة (مئة) التي رسمت بشكل (مائة) أي بزيادة الألف، هي كذلك رُسِمت بزيادة الألف في الكتابات النبطية السابقة للإسلام؟
نحن نعرف تاريخ هذه الكتابة ونعرف مسار تطورها، ورسم المصحف حلقة في سلسلة هذا التاريخ، ولذا لا نلتفت إلى قول من يعتبر رسم المصحف جزءا من الوحي، لأننا نعرف أن هذا ليس على علم بهذا التاريخ أو يتغافل عنه.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[02 عز وجلec 2009, 07:55 م]ـ
7. ألا تلاحظ أخي جمال أنك ذهبت تصرف الكلام عن ظاهره في مثل قوله تعالى:"تلك آيات الكتاب وقرآن مبين"؛ فالنصوص تُصرّح أن الله تعالى أنزل القرآن والكتاب ثم نقول لم ينزل الكتاب وإنما أنزل ما سيكتب!!!
أخي أبا عمرو
أنا لم أقل بأن (الكتاب) في الآية هو بمعنى (ما من شأنه أن يُكتَب) أو (ما سيُكتَب)، بل قلت إن المعنى الاشتقاقي لا يكون ـ في أغلب الحالات ـ مقصودا حين يكون للكلمة معنى محدد في العرف اللغوي. فالـ (كتاب) وإن كان في الأصل بمعنى مكتوب، ولكن إذا أشرتُ إلى كتاب وقلتُ (ذلك الكتاب) فلا يتعيّن أنني قصدت كتابته أو كونه مكتوبا على هيئته المكتوبة الخاصة، بل الاحتمال الأرجح هو أنني قصدت الكتاب بمحتواه وأفكاره أو قصدت الكتاب بصورة عامة من دون ملاحظة جانب خاص مثل كتابته ..
وعلى هذا، فقوله (أنزل الكتاب) لا يمكن أن يُفهَم منه أن الله تعالى أنزل القرآن وأنزل معه رسمه وكتابته الخاصة، كما كنتَ ـ أخي أبا عمرو ـ تسعى جاهدا لاستنباط ذلك من تلك النصوص القرآنية التي تشير إلى القرآن بالـ (كتاب). وهو استنباط غير صحيح.
وحينما ذكرتُ في المشاركة معاني من قبيل (ما من شأنه أن يُكتَب) وغيره، فقد كان قصدي أن أبين المعاني المختلفة التي تفيدها الكلمة زائدة على المعنى الاشتقاقي الحرفي الذي لا يكون في الحسبان غالبا.
وأنا أميل إلى أن القرآن الكريم حين يصف نفسه بـ (الكتاب) فقصده هو أن هذا القرآن هو في الأصل والحقيقة كتاب كامل تنزل آياته منجَّمة مفرَّقة، أي أرى أن القرآن لا يشير بلفظة (الكتاب) إلى ما كان بأيدي الصحابة من رقوق وآيات مكتوبة متفرقة، بل يشير إلى الكتاب الكامل في اللوح المحفوظ، وأما ما يصل النبي صلى الله عليه وسلم ويبلغها للناس فهو (آيات) ذلك الكتاب، ونزلت هذه الآيات إلى أن اكتمل الكتاب على الأرض.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[02 عز وجلec 2009, 08:22 م]ـ
والشيعة وغيرهم يوظفون كل شيء لنصرة باطلهم. ويبقى السؤال الأهم: هل ينجحون؟!! (ولا يفلح الساحر حيث أتى).
¥