وَقَدْ جَاءَ عَنْ اِبْن مَسْعُود شَيْء مُوهِم كَمَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس، فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق صَحِيح عَنْ مَسْرُوق عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَرَأَ (حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) مُخَفَّفَة قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: هُوَ الَّذِي يُكْرَه. وَلَيْسَ فِي هَذَا أَيْضًا مَا يُقْطَع بِهِ عَلَى أَنَّ اِبْن مَسْعُود أَرَادَ أَنَّ الضَّمِير لِلرُّسُلِ، بَلْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الضَّمِير عِنْدَهُ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَتْبَاع الرُّسُل، فَإِنَّ صُدُور ذَلِكَ مِمَّنْ آمَنَ مِمَّا يُكْرَه سَمَاعه، فَلَمْ يَتَعَيَّن أَنَّهُ أَرَادَ الرُّسُل.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَوْ جَازَ أَنْ يَرْتَاب الرُّسُل بِوَعْدِ اللَّه وَيَشُكُّوا فِي حَقِيقَة خَبَره لَكَانَ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَوْلَى بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ اِخْتَارَ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَة التَّخْفِيف وَوَجَّهَهَا بِمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا اِخْتَرْت هَذَا لِأَنَّ الْآيَة وَقَعَتْ عَقِبَ قَوْله: (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ يَأْس الرُّسُل كَانَ مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ فَهَلَكُوا، أَوْ أَنَّ الْمُضْمَر فِي قَوْله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) إِنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْهَالِكَة.

وَيَزِيد ذَلِكَ وُضُوحًا أَنَّ فِي بَقِيَّة الْآيَة الْخَبَر عَنْ الرُّسُل وَمَنْ آمَنَ بِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَنُنَجِّي مَنْ نَشَاء) أَيْ الَّذِينَ هَلَكُوا هُمْ الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّ الرُّسُل قَدْ كُذِبُوا فَكَذَّبُوهُمْ، وَالرُّسُل وَمَنْ اِتَّبَعَهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَجَوْا، اِنْتَهَى كَلَامه، وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَر.

قَوْله: (قَالَتْ أَجَلْ) أَيْ نَعَمْ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَقِيل فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع " فَقَالَتْ يَا عُرَيَّة " وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ وَأَصْله عُرَيْوَة فَاجْتَمَعَ حَرْفَا عِلَّة فَأُبْدِلَتْ الْوَاو يَاء ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى.

قَوْله: (لَعَمْرِي لَقَدْ اِسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ)

فِيهِ إِشْعَار بِحَمْلِ عُرْوَة الظَّنّ عَلَى حَقِيقَته وَهُوَ رُجْحَان أَحَد الطَّرَفَيْنِ، وَوَافَقَتْهُ عَائِشَة. لَكِنْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُرَاد بِالظَّنِّ هُنَا الْيَقِين. وَنَقَلَهُ نَفْطَوَيْةِ هُنَا عَنْ أَكْثَر أَهْل اللُّغَة وَقَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ فِي آيَة أُخْرَى (وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأ مِنْ اللَّه إِلَّا إِلَيْهِ) وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ: إِنَّ الظَّنّ لَا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَب فِي مَوْضِع الْعِلْم إِلَّا فِيمَا كَانَ طَرِيقه غَيْر الْمُعَايَنَة، فَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقه الْمُشَاهَدَة فَلَا، فَإِنَّهَا لَا تَقُول أَظُنُّنِي إِنْسَانًا وَلَا أَظُنُّنِي حَيًّا بِمَعْنَى إِنْسَانًا أَوْ حَيًّا. قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة عَنْ الزُّهْرِيّ (أَخْبَرَنِي عُرْوَة فَقُلْت لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَة قَالَتْ مَعَاذ اللَّه. نَحْوه) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ سَاقَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " بِتَمَامِهِ وَلَفْظه عَنْ عُرْوَة أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث صَالِح بْن كَيْسَانَ.

انتهى كلامه رحمه الله تعالى

ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[13 Oct 2009, 12:10 م]ـ

قال بعض أهل العلم إنَّ الظَّنَّ في غالب كلام الشَّارعِ لا يُرادُ منهُ اعتقادُ القلبِ الجازمُ , بل هو أمرٌ مرجوحٌ في نفسِ الظَّانِّ وإن خطر على قلبه وتحدثت به نفسهُ , فيكفيه براءةً أن توقف لسانه وجوارحُهُ عن تصديق ذلك الظنِّ فلم يتكلم ولم يعمل , وعليه يحملُ معنى هذه الآية , قال ابنُ حزمٍ رحمه الله في كتاب الفصل في الملل والنحل عند كلامه عن سليمان عليه السلام:

(وليس هذا على ما ظنه الجهال , وإنما معناه أن الرسل عليهم السلام ظنوا بمن وعدهم النصر من قومهم أنهم كذَبوا فيما وعدوهم من نصرهم , ومن المحال البيِّن أن يدخل في عقل من له أدنى رمق أن الله تعالى يكذِبُ فكيف بصفوة الله تعالى من خلقه وأتمهم علما وأعرفهم بالله عز و جل.؟

ومن نسب هذا إلى نبي فقد نسب إليه الكفر , ومن أجاز إلى نبي الكفر فهو الكافر المرتد بلا شك, والذي قلنا هو ظاهر الآية وليس فيها أن الله تعالى كذَبَهم حاشا لله من هذا).

ـ[أم عبد الله //]ــــــــ[14 Oct 2009, 04:41 ص]ـ

بارك الله فيكما وفيما نقلتما وجعله الله في ميزان حسناتكما.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015