حَرَامًا. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي " سُورَةِ الْمَائِدَةِ " بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إِلَى (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَجَاءَ تَحْرِيمُهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، مَا أَسْكَرَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُسْكَرْ. وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ عَيْشٌ أَعْجَبُ إِلَيْهِمْ مِنْهَا.

4151 - حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا "، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكُمْ يُقَدِّمُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكُمْ يُقَدِّمُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)، فَحُرِّمَتِ الْخَمْرُ عِنْدَ ذَلِكَ.

4152 - حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ " الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: نُسِخَتْ ثَلَاثَةً، فِي " سُورَةِ الْمَائِدَةِ "، وَبِالْحَدِّ الَّذِي حَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُهُمْ بِذَلِكَ حَدًّا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يَكُنْ حَدًّا مُسَمًّى وَهُوَ حَدٌّ وَقَرَأَ: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الْآيَةَ.

[ص: 337]

مسألة: الجزء الرابع التحليل الموضوعي

القول في تأويل قوله تعالى (وإثمهما أكبر من نفعهما)

قال أبو جعفر: يعني بذلك عز ذكره: والإثم بشرب [الخمر] هذه والقمار هذا أعظم وأكبر مضرة عليهم من النفع الذي يتناولون بهما. وإنما كان ذلك كذلك، لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض، وقاتل بعضهم بعضا، وإذا ياسروا وقع بينهم فيه بسببه الشر، فأداهم ذلك إلى ما يأثمون به.

ونزلت هذه الآية في الخمر قبل أن يصرح بتحريمها، فأضاف الإثم جل ثناؤه إليهما، وإنما الإثم بأسبابهما؛ إذ كان عن سببهما يحدث.

وقد قال عدد من أهل التأويل: معنى ذلك: وإثمهما بعد تحريمهما أكبر من نفعهما قبل تحريمهما.

ذكر من قال ذلك:

4138 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس: " وإثمهما أكبر من نفعهما "، قال: منافعهما قبل التحريم، وإثمهما بعد ما حرما.

4139 - حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن " [ص: 330] الربيع: ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " ينزل المنافع قبل التحريم، والإثم بعد ما حرم.

4140 - حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرني عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله: " وإثمهما أكبر من نفعهما "، يقول: إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم.

4141 - حدثني علي بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: " وإثمهما أكبر من نفعهما "، يقول: ما يذهب من الدين والإثم فيه أكبر مما يصيبون في فرحها إذا شربوها.

قال أبو جعفر: وإنما اخترنا ما قلنا في ذلك من التأويل لتواتر الأخبار وتظاهرها بأن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والميسر فكان معلوما بذلك أن الإثم الذي ذكره الله في هذه الآية فأضافه إليهما، إنما عنى به الإثم الذي يحدث عن أسبابهما - على ما وصفنا - لا الإثم بعد التحريم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015