وكذا. وينزل عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وينزل عليه الآيات فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا}.

فإن قيل كيف يكون ما كتب وحيا و محمد أمي لا يعرف كتابة .. قلنا إنه لا يعرف قراءة فلماذا أمره ربه أن {اقرأ} .. فإن قيل لنا إنما قرأ بسم ربه قلنا فإن كانت القراءة بسم الله فما الذي يخالف في أن يتعلم رسم الكتاب ممن علم بالقلم الذي هو الله .. و ليس قولنا هنا أنه تعلم الكتابة فكتب إنما تعلم كلمات القرآن فراجع ما كتب كتابه منه بوحي من عند الله و إلا فكيف نفسر قوله صلى الله عليه و سلم لكاتبه معاوية رضي الله عنه: {ألق الدواة و حرف القلم و انصب الباء و فرق السين و لا تعور الميم و حسن الله و مد الرحمن و جود الرحيم}، و في ذلك لطيفة يجب الانتباه إليها لم يقل انصب الباء و مد الألف فدل ذلك على أن بسم البسملة تكتب بدون ألف .. كما أن الرحمن تكتب بدونها و يعضده أيضا قوله صلى الله عليه و سلم: {إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن}، و قوله: {إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه}، فهو يعلم الكتبة الكتابة و يعلمنا من بعدهم رسم الوحي كما أنزل إليه، و هو عين ما أخرجه الطبراني عن زيد بن ثابت، قال: {كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يملي عليَّ، فإذا فرغت، قال: اقرأه، فأقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه}، فدل ذلك على مراجعته كتابه و إقامة ما يكتبون، و لا اعتراض لأحد هنا لأن الرسم في القرآن لا يتفق دائما مع ما ينطق، فإن لم يكن بوحي الله تعالى إليه كيف له أن يراجعهم فيما كتبوا فيقيمه لهم أو يقرهم عليه، فالله تعالى بمنه قد أوحى إلى النبي هذا القرآن و نقش حروفه على قلبه كما يرسم الكتاب فوعاها و كلماته فأداها و آياته فتلاها و كان في البدإ تعجل، فلما تعجل قال له سبحانه: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، فتلقى ما أنزل الله عليه، كتابا مبين الحروف، مفصل الآيات، مرتب السور .. جمع الصحابة على آيه، و غزير حكمته، و عميق أسراره، و بحار علومه، حتى رأو من خلاله العوالم، فبصروا به ما لم نبصره اليوم بالآلات .. و هو حق لا يرثه إلا أهل الحق، و لا يألفه إلا ولاة الصدق، نور للبصائر، و روح للحائر، لا يشتكي جليسه من ملل إذا فهمه، و لا يتعب الفكر من كلل إذا ملئ به.

فإن قيل لماذا اختلفت المصاحف؟ قلنا إنما القرآن ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم نقلا و كتابة و عرض عليه و راجع رسمه و لفظه بوحي الله تعالى .. أما غيره مما قيل عن المصاحف فيرجع إلى أصحابها لا إلى الوحي المنزل، لذلك تختلف .. ثم إنه لم يؤثر عن أصحاب هذه المصاحف أن أعادوا مصاحفهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم، و لا قيل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم راجع أحدا منهم فيه و لا أكده له .. إنما كان كل واحد من هؤلاء يكتب لنفسه ليرتله و يتعلمه و يحفظه .. فلما قرئ في الكتاب على الهيأة التي بين أيدينا كما حفظها الله بعهده و أثرت على النبي بوحيه، اجتمعت الأفهام عليها و هبت، و زأرت القلوب إليها و لبت.

و قد أخطأ ابن خلدون عظيم الخطإ حين أشار إلى أن الاختلاف في كتابة المصاحف بظواهره المتقدمة كان ناشئا عن جهل الصحابة رضي الله عنهم بقواعد الخط و بعدهم عن الصنائع، يقول ابن خلدون: ( ... فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى غاية الإحكام و الإتقان و الإجادة، و لا إلى التوسط، لمكان العرب من البداوة و التوحش، و بعدهم عن الصنائع، و انظر ما وقع لأجل ذلك من رسمهم المصحف، حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، و كانت غير مستحكمة في الإجادة، فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها، ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها، تبركا بما رسمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و خير الخلق من بعده، المتلقون لوحيه من كتاب الله و كلامه، كما يقتفي لهذا العهد خط ولي أو عالم تبركا، و يتبع رسمه خطأ أو صوابا، و أين نسبة ذلك من الصحابة فيما كتبوه، فاتبع ذلك و أثبت رسما، و نبه العلماء بالرسم على مواضعه .. و لا تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة الخط، و أن ما يتخيل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يتخيل، بل

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015