ـ[محمد كالو]ــــــــ[13 Nov 2009, 06:20 م]ـ

الترجمة الحرفية للقرآن الكريم مستحيلة عرفاً وشرعاً، أي عدم إمكان وقوعها عرفاً، وحرمة محاولتها شرعاً.

أما استحالتها عرفاً فلها طريقان في الاستدلال:

الطريق الأول:

أن ترجمة القرآن بهذا المعنى تستلزم المحال، وكل ما يستلزم المحال محال، إذ لا بد في تحقيقها من الوفاء بجميع معاني القرآن الأولية (المعاني الأصلية) والثانوية (البلاغية)، وبجميع مقاصد القرآن الثلاثة.

وكل ذلك مفقود في غير العربية، وما كان لبشر أن يحيط بها فضلاً عن أن يحاكيها في كلام له.

الطريق الثاني:

أن ترجمة القرآن بهذا المعنى ادعاء لإمكان وجود مثل للقرآن، وكل مثل للقرآن مستحيل، وفيه تكذيب شنيع لقوله تبارك وتعالى:? قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ?سورة الإسراء: 88.

فنفى الله تعالى المثلية عن القرآن، وتحدى الثقلين، وقرر عجزهم على فرض معاونة بعضهم لبعض، واجتماع قواهم البيانية والعلمية عليها.

أما استحالتها شرعاً فمن عدة وجوه:

1 ـ إن طلب المستحيل العادي حرام، أياً كان هذا الطلب ولو بطريق الدعاء، وأياً كان هذا المستحيل ترجمة أو غير ترجمة، لأنه ضرب من العبث، وتضييع للوقت والمجهود في غير طائل، والله تبارك وتعالى يقول: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) سورة البقرة: 195، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه الحاكم وابن ماجه، ولقد يعذر بعض الجهلة إذا ظنوا أن بعض المحالات أمور ممكنة فطلبوها، ولكن الذي يحاول ترجمة القرآن بهذا المعنى لا يعذر بحال، لأن القرآن نفسه أعذر حين أنذر.

2 ـ إن محاولة الترجمة تشجع الناس على انصرافهم عن كتاب ربهم، مكتفين ببدل أو أبدال يزعمونها ترجمات له، وعلى مرّ الزمان سيذهب عن الترجمات اسم الترجمة، ويبقى اسم القرآن عَلَماً عليها، وسيقال: هذا قرآن بالإنكليزية، وذاك قرآن بالفارسية، وذلك قرآن بالفرنسية، وهكذا.

ثم إذا امتدّ الزمان، سيجتزئون ويحذفون هذا المتعلق بعد، ويطلقون لفظ (القرآن) على الترجمة، وما لنا نذهب بعيداً؟ فكل الناس يقولون هذه رواية " ماجدولين " لترجمتها العربية والأصل فرنسي، وهذا إنجيل " برنابا " أو إنجيل "مرقس " أو إنجيل " متى " نقول هذا لترجمتها العربية، والأصل غير عربي.

وجاء في ملحق لمجلة الأزهر:

(أن أهالي " جاوة " المسلمين، يقرؤون الترجمة الإفرنجية ويُقرئونها أولادهم، ويعتقدون أن ما يقرؤون هو القرآن الصحيح) (أنظر: مناهل العرفان: 2/ 165.

ولو ذهبنا إلى هذا القول بجواز الترجمة الحرفية، لأصبح لكل قطر من هذه الأقطار الإسلامية وغير الإسلامية قرآن من هذا الطراز، فهل نشك بعد هذا في حرمة كل ما يؤدي إلى صرف الناس عن كتاب الله عز وجل.

3 ـ لو جوّزنا هذه الترجمة، لاستغنى الناس عن القرآن بترجماته، ولتعرّض الأصل العربي للضياع، كما ضاع الأصل العبري للتوراة والإنجيل، وما دام الأصل العربي شاهد الحق قد ضاع، فإن ذلك نكبة كبرى تغري النفوس على التلاعب بدين الله تبارك

وتعالى تبديلاً وتغييراً وتحريفاً، ولا ريب أن كل ما يعرّض الدين للتغيير والتبديل والتحريف، وكل ما يعرّض القرآن للإهمال والضياع، حرام بإجماع المسلمين.

4 ـ إن القرآن الكريم قد اشتمل على نصوص تشريعية ذات طبيعة مرنة، يمكن تفسيرها بطرق مختلفة، وقد اختلفت الصحابة ومن جاء بعدهم في تفسير تلك النصوص، ولا زالت هذه النصوص قابلة للتفسير أيضاً.

ولا بدّ للمترجم عند ترجمته للقرآن أن يتخيّر معنى من المعاني التي يحتملها النص، ويتجاوز بقية المعاني، وبذلك تتعدد التراجم وتختلف، وإذا تعددت الترجمات المختلفة، فسينشأ خلاف حتمي بين صفوف الأمة، أشبه باختلاف اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل.

وهذا الخلاف يصدّع بناء المسلمين ويفرّق شملهم، ويهيئ لأعدائهم فرصة ذهبية للنيل منهم، ويوقظ فتنة عمياء بينهم، فيقول كل طائفة لأخرى: قرآننا خير من قرآنكم، وتقع الفتنة كقطع الليل المظلم، ويخرّون ضحايا هذه الترجمات، بعد أن كانوا إخواناً متحابين يوحّد بينهم القرآن، ويؤلف بينهم الإسلام.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015