من المفسرين من قال هذا، لأنّهم رأوا أنّ سبب نزولها لا يقصرها على قضيَّة السبب بل يُعمل بعموم لفظها على ما هو الحقّ في أنّ عموم اللفظ لا يخصّص بخصوص السبب، فقالوا: رَفَع الله الجناح عن المؤمنين في أي شيء طعموه من مستلذّات المطاعم وحلالها، إذا ما اتّقوا ما حَرّم الله عليهم، أي ليس من البرّ حرمانُ النفس بتحريم الطيّبات بل البرّ هو التقوى، وفسر به في «الكشاف» مبتدئاً به.

قال تعالى: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ... ) بمَ يتعلق قوله: (إن ارتبتم)؟

تظافرت أقوال المفسّرين على أنّ هذا شرط متّصل بقوله {تحبسونهما} وما عطف عليه، واستغني عن جواب الشرط لدلالة ما تقدّم عليه ليتأتّى الإيجاز، فيقتضي هذا التفسير أنّه لو لم تَحصل الريبة في صدقهما لما لزم إحْضارهما من بعد الصلاة وقسمهما، وجملة الشرط معترضة بين فعل القسم وجوابه.

والوجه عندي –الكلام لابن عاشور- أن يكون قوله: {إن ارتبتم} من جملة الكلام الذي يقوله الشاهدان، ومعناه أنّ الشاهدين يقولان: إن ارتبتم في شهادتنا فنحن نقسم بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم الشهادة، أي يقولان ذلك لاطمئنان نفس المُوصي، فيكون شُرع هذا الكلام على كلّ شاهد ليسْتوي فيه جميع الأحوال بحيث لا يكون توجيه اليمين في بعض الأحوال حَرجاً على الشاهدين الذين توجّهت عليهما اليمينُ من أنّ اليمين تعريض بالشكّ في صدقهما، فكان فرض اليمين من قِبَل الشرع دافعاً للتحرّج بينهما وبين الوليّ، لأنّ في كون اليمين شرطاً من عند الله معذرة في المطالبة بها.

قال تعالى: (فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان) ما إعراب (الأوليان)؟ وما معنى هذه الجملة من الآية الكريمة؟

على هذه القراءة –قراءة حفص- تكون (الأوليان) فاعل للفعل (استحق)، والمفعول محذوف تقديره: الوصية أو الإثم.

فيكون التقدير: فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق الأوليان عليهم الوصية أو الإثم.

و (من) تبعيضية، أي شخصان آخران يكونان من الجماعة من الذين استحق عليهم.

و (استحق) أي: كان حقيقا به، وهو مضمن معنى (وجب)، يقال: استحقّ زيد على عمرو كذا، أي وجب لزيد حقّ على عمرو، فأخذه منه.

و (الأوليان) جمع (أولى).

والمعنى أنّه إن اختلّت شهادة شاهدي الوصية انتقل إلى يمين الموصى له سواء كان الموصى له واحداً أم متعدّداً. وإنّما جاءت الآية بصيغة الاثنين مراعاة للقضية التي نزلت فيها.

ولكن هنا أشكل علي أمر، وهو:

كيف تدل الآية –بهذه القراءة- على أن الشاهدين الآخرين يجب أن يكونا من أولياء الميت الموصى لهم؟

أرجو أن يتكرم الإخوة المشايخ بإيضاح هذا الإشكال وحله لأنه أعياني كثيرا!

ما مناسبة قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) للسياق؟

وجملة: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} معترضة، وهي من المقول الذي أمر الرسول بأن يقوله. وفي هذا الاعتراض معان:

أحدها: أنّ ما بعده لمّا كان مشعراً بإنذار بوعيد قُدّم له التذكير بأنّه رحيم بعبيده عساهم يتوبون ويقلعون عن عنادهم.

والثاني: أنّ الإخبار بأنّ لله ما في السماوات وما في الأرض يثير سؤال سائل عن عدم تعجيل أخذهم على شركهم بمن هم مِلكه. فالكافر يقول: لو كان ما تقولون صدقاً لعجّل لنا العذاب، والمؤمن يستبطئ تأخير عقابهم، فكان قوله: {كتب على نفسه الرحمة} جواباً لكلا الفريقين بأنّه تفضّل بالرحمة، فمنها رحمة كاملة: وهي رحمته بعباده الصالحين، ومنها رحمة مؤقّتة وهي رحمة الإمهال والإملاء للعصاة والضّالّين.

قال تعالى: (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) ما نوع الفاء هنا؟ وما معنى هذه الجملة من الآية الكريمة؟

الفاء في في قوله: (فهم) للتفريع والسببية.

وجملة (الذين خسروا أنفسهم) خبرَ مبتدأ محذوف تقديره: أنتم. فأصل التركيب: فأنتم لا تؤمنون لأنّكم خسرتم أنفسكم.

وقيل: (الذين خسروا أنفسهم) مبتدأ، وجملة: (فهم لا يؤمنون) خبره، وقرن بالفاء لأنّ الموصول تضمّن معنى الشرط على نحو قوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015