(71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) , فحياة الإنسان , وحياة الحيوان , وحياة النبات , تتأثر بتعاقب الليل والنهار كما هو معروف, وكما كشفت عنه العلوم الحديثة، بأوضح ما يكون. ويحسن أن يكون لطالب العلم نوع اطلاع على البحوث الحديثة في علم الفلك , وفي علم الفيزياء , وفي علم وظائف الأعضاء , وفي علم النبات , وفي مختلف العلوم الحديثة؛ لأنها تزيد المؤمن إيماناً , وإن كانت لا تزيد الكافرين إلا ضلالاً، كما قال ربنا عز وجل: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) , فالمؤمن، صاحب القلب المفتوح تزيده هذه المكتشفات , وهذه الحقائق العلمية إيماناً بقدرة الله عز وجل , وكمال ربوبيته. وقد ألف بعض الملحدين قبل نحو خمسين سنة كتاباً سماه " الإنسان يقوم وحده "، وهو كاتب شيوعي، يريد أن يقرر أن الإنسان مستغن بنفسه , وأنه ليس بحاجة إلى إله , فألف أحد الناس كتاباً يرد به عليه بعنوان " الإنسان لا يقوم وحده ". وهذا المؤلف رجل من النصارى, لكن عنده الإيمان بالربوبية, واعتضد بالعلوم الحديثة، والكشوف العلمية، على بيان حاجة الإنسان إلى الرب, وترجمه بعض المعرَّبين باسم " العلم يدعو إلى الإيمان ". وهو كتاب مفيد، وإن كان قد مضى على تأليفه نحو نصف قرن؛ لأنه يوقف المؤمن، ويوقف طالب العلم، على حقائق مذهلة من خلق الله عز وجل, وحكمته, ودقيق صنعه، وتدبيره في الأنفس، وفي الآفاق، مما يزيد المؤمن إيماناً.

(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا): معنى (دحاها) أي بسطها, وقيل: حرثها، وشقها. وها هنا إشكال مشهور، وهو ما يتعلق بترتيب خلق السموات والأرض، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة فصلت: (قُلْأَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) ثم قال: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) , فهذا الترتيب يدل على أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض، ثم خلق السماء , والذي بين أيدينا ها هنا، أن الله سبحانه وتعالى ابتدأ بذكر السماء فقال: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) , فجعل ذكر الأرض بعد ذكر السماء، وهذا في ظاهره مخالف لما في سورة (فصلت)! ولأجل هذا الإشكال سلك بعض المفسرين مسالك فيها نوع تكلف، وتعسف , فمنهم من قال إن معنى قوله: (والأرض بعد ذلك) أي قبل ذلك, ولا يخفى التأويل الشديد في هذا؛ بأن يقلب اللفظ إلى ضده , ولو شاء الله لقال قبل ذلك. وقال بعضهم، ويروى هذا عن مجاهد (والأرض بعد ذلك) أي مع ذلك , فجعل " بعد " بمعنى " مع ". ولكن الجواب عن هذا هو ما قاله حبر هذه الأمة، وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما: أن الخلق غير الدحو , بمعنى أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض أولاً، ولم يدحها , ثم استوي إلى السماء فخلقها، وسواها , ثم بعد ذلك دحا الأرض. فيكون سبحانه خلق الأرض في يومين كما أخبر في سورة فصلت , لكنه خلقها في يومين من غير دحو , ثم بعد ذلك استوي إلى السماء فخلقها وسواها كما أخبر, ثم دحا الأرض بعد ذلك. وبذلك يزول الإشكال.

(أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا): وهذا يدل على أن معنى (دحاها) أي شقها، وبسطها , فكأن هذه العملية تمت بعد خلق السماء, وهو إخراج مائها؛ بأن جعلها تتفجر ينابيع، ويجرى فيها الماء من الأنهار. وأخرج هذه النباتات الهائلة، التي تملأ الغابات، والبساتين. والمرعى. اسم لمكان الكلأ والعشب , ومرجع الضمير إلى الأرض.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015